إعلان رأس الصفحة

الثلاثاء، 19 ديسمبر 2017

لماذا يا مس ندرس العلوم الحياتية؟



منذ سنتين.. ذهبت لمقابلة مدير إحدى المدارس
وأسفرت المقابلة عن قبولي في السلك التعليمي لتدريس مادة الأحياء لطلاب الثانوية رغم عدم وجود خبرة لدي في التعليم في المدارس والاستعاضة عن الخبرة بشهادة الماجستير التي أحملها...
وحين كان المدير يحدثني عن مشاق الوظيفة وكيفية التغلب عليها قال لي:
عليك أن تجعلي الطلبة يحبون مادتك؛ من خلال طريقتك في الشرح ولماذا يدرسون هذه المادة و.... الخ
كان حوارا مفيدا جدا وممتعا ينمّ عن مدى خبرة هذا الرجل .. لكن ما علق في ذهني في ذلك اليوم هو (اجعليهم يعرفون لماذا يدرسون هذه المادة...)
جلست مع نفسي في حيرة من أمري؛ هل أسلك الطريق الذي سلكته المعلمات اللواتي مررن في حياتي؟ أأقول ما لدي وأخرج؟ أم علي فعل ما لم يفعله اي معلم أو معلمة معي من قبل؟
وقررت اتخاذ القرار الثاني... وجلست أبحث عن كل ما يمكنني تقديمه عن الذي يجعلنا ندرس مادة الأحياء...
في أول يوم لي في تلك المدرسة دخلت الصف وتلك العيون الحائرة والمشاكسة تنظر إلي
تذكرت يومها كيف كانت الفتيات تنظرن للمعلم(ة) الجديدة فضحكت خلسة لما بدر إلى ذهني من خاطر.
وضعت ما أحمله على الكرسي.. ولا أخفي كم كنت متوترة من الوقوف أمام غريبات مشاكسات وأنا أعرف أنه من الممكن أن تسوء الأوضاع.. لكني استجمعت قواي ووقفت أنظر إلى أعينهن في صمت واصرار وتحدّ واحدة تلو الأخرى لأقول لهن أني لست خائفة منهن وأنه يتوجب عليهن احترامي..
ثم أمليت عليهن قوانيني:
لا أحبذ الكلام بينكن لكني أود أن تتكلمن معي
الوقوف والتنقل ممنوع والهواتف المحمولة وممنوع مقاطعتي إلى حين انتهائي من جملتي...
ثم قلت لهن:
سواء أحببتموني أم لا.. الاحترام بيننا واجب .. فذلك يجعل التعامل سهلا وأكثر عدلا.
شعرت حينها بارتياحهن لما أقول مع بعض الاندهاش مما قلت... وبعض الاندهاش مني مما وجدت منهن من تصرفات لم أفكر يوما أني سأجدها في المدارس.
احتويت الموقف ونجحت في جذب انتباههن...
فسألت... هل تعلمن لمَ ندرس مادة الأحياء؟
فقلن بامتعاض: لا ندري .. شأنها شأن أي مادة أخرى ندرسها لنمتحن وننتقل إلى السنة التالية
فضحكت وقلت... لو أنكن تعرفن ما أهمية هذا العلم...
إن معظم العلوم منبثقة عن العلوم الحياتية...
فقلن لي: كيف ذلك؟
فسردت لهن ما كنت قد حضرته في ذهني فقلت:
منكن من سوف تقرر استكمال تعليمها الجامعي.. وأخريات سوف يقررن أن يكنّ ربات بيوت... كلا منكن سوف تستخدم العلوم الحياتية في حياتها
فإن العلوم الحياتية انبثق عنها الطب والكيمياء وهندسة الجينات ... حتى أنها متطلب من عدة تخصصات في الجامعات من طب وتمريض و ....الخ
ألم تتعلمن كيفية قياس درجة الحرارة؟ ذلك من العلوم الحياتية أما تفسيره وتحويل وحداته بين سلسياس أو فهرنهايت فهو من الفيزياء
وسوف تحتجن فهم قياس درجة الحرارة لأنفسكن وعائلاتكن وأطفالكن مستقبلا... فإن لم تعرفن ذلك فماذا ستفعلن؟
وإن تعب أحد أطفالكم مستقبلا فكيف ستتصرفن إن لم تدرسن ذلك؟
فقالت إحداهن (جداتنا لم يدرسن ذلك وفعلن ما باستطاعتهن على أكمل وجه)
فقلت لها (بلى لقد درسن على يد أمهاتهن وجداتهن وحمواتهن وإلا كيف عرفن ما عرفن؟
ودعونا ألا نتكل على ما عرفه أجدادنا كثيرا فبعضه كان خاطئا وما نتعلمه الآن هو خلاصة أبحاث أناس وهبوا أنفسهم للعلم)
واستطردت قائلة..
إنكن ستحتجن هذا العلم حتى أثناء الطبخ... ففهم كل مادة تستعملونها في المطبخ وكيفية دمجها ومدة صلاحيتها وشروط تخزينها وكيف يمكن معرفة سمات فسادها.. كل ذلك هو من العلوم الحياتية
من سوف تصبح طبيبة.. ستدرس التشريح والخلايا وأنواع الممالك الحيوانية مما سيساعدها في أبحاثها (مثلا من يريد زرع عضو في مريض) كل ذلك من العلوم الحياتية
ولنأتي إلى من ستدرس الكيمياء الذي هو العلم المكمل للعلوم الحياتية... يجب أن تعرفي تأثير وطريقة تأثير كل مادة كيميائية على جسم الإنسان والحيوان والنبات وحتى الجراثيم
وفي نفس النهج من يدرس الصيدلة
أمثلة كثيرة يمكنني ضربها ولا يمكننا إحصاؤها
كما أن علم هندسة الجينات والتحاليل الطبية والمعلوماتية الحيوية والزراعة و....الخ كل ذلك نشأ أيضا من علم الأحياء
وحين صمت لوهلة سألتني المشاكسة بينهن: (مس عيونك عدسات؟ - محاولة أن تكون مشاكسة وتشاهد رد فعلي عليها رغم سرورها بما أتكلم) فضحكت وقلت لها هذا السؤال أيضا يندرج تحت العلوم الحياتية.... فضحك الجميع وسررن كثيرا حين فهمن بعكس البداية
وبدأن بطرح الأمثلة والتفاعل عن فهم ودراية وقد بدأن يستوعبن ما يدور حولهن في الكتب.
للأسف لم أكمل رحلتي في التدريس لأمور كثيرة
لكني حتى الأن أذكر وجوه تلك الطالبات بشوق لنظراتهن إلي بشغف لما أقول وكلهن براءة
للعلم وجوه كثيرة كالنرد... إن لم يرمى بالطريقة المناسبة فلن يعطي النتيجة المرجوة
والفهم واجب على كل منا... فعندما نفهم ما حولنا تختلف نظرتنا للأمور وتختلف ردة فعلنا
وعلى المعلم واجب بث حب المادة في قلوب الطلاب قبل تدريسها وشرح مجالاتها.. فإن فعل فذلك نصف التعليم
والعلوم الحياتية ليست كما يتداول الجميع بأنها علم مهمش
فمن لم يفهمها لن يستطيع فهم أي علم آخر وسوف يبقى علمه منقوص
#مجلة_أفنان #أفنان_زعيتر #العلوم_الحياتية #التعليم #طالبات_مشاكسات #الفهم #حب_المادة #التدريس_موهبة
1:42 ص / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة