إعلان رأس الصفحة

الثلاثاء، 19 يوليو 2022

كل منا لديه إدمانه .. بقلم أفنان زعيتر

الإدمان: بين السعادة والتعذيب


الإدمان

ما هو الإدمان؟

لطالما كان الإدمان وسيلة لدى الأشخاص لتجاوز نقاط ضعف مظلمة في حياتهم ونسيان همومهم وواقعهم باللجوء إلى عقاقير ومركبات كيميائية تؤثر على أدمغتهم وأجسادهم وحيواتهم فقط للحصول على بضع دقائق من النسيان، وتلك بالطبع تجارة خاسرة. لكن الإدمان حقيقة يتجاوز أمر العقاقير، فكل منا لديه إدمان يلجأ إليه لنسيان ضعفه وتجاوز ما أثر في حياته من أمور ومواقف وأحداث. وبالرغم من كون الإدمان تجارة خاسرة، إلا أننا جميعا نلجأ إليها مهما كانت خلفيتنا الثقافية أو مستوانا المادي، لأنه في الحقيقة كل شخص منا لديه نقطة سوداء في حياته يحاول تجاوزها.


طريقة عمل الإدمان

تلعب جميع أنواع الإدمان على محاولات رفع مستويات هرمونات السعادة: 

السيروتونين والدوبامين والأوكسيتوسين والإندورفين، التي تؤثر في مجملها على الأعصاب والتواصل بين الشخص ومن حوله.

هل فكرتم يوما أن اللجوء إلى الشوكولا عند كل توتر هو إدمان! أو الشعور المُلحّ بالحصول على فنجان من القهوة! أو تناول الحلويات!...

أجل إنه إدمان، قد تعتبروه إدمانا بسيطا عاديا لا خطر منه، بل إنه منفس للشخص للترويح عن نفسه، لكن في الحقيقة يصل هذا الإدمان حد الخطورة وممارسة إدمان العقاقير حين يكون هذا المدمن مصابا بداء يجعل تناول ذاك الطعام الذي أدمنه حين تعرضه للمشاكل والتوتر يعرض حياته للخطر، مثل مرضى السكر والضغط... فتجد فيهم ذات صورة المدمن على التبغ بالرغم من معرفته لجميع أخطار التبغ وتأثيراته السيئة، وذات صورة مريض القلب الذي لا ينفك عن اللجوء إلى التدخين مرة بعد مرة للترويح عن نفسه من ضغوطات الحياة.

قد ترون أنه في إدمان المواد المستهلكة تأثير كيميائي أيضي فعلي على الأعصاب، لكنه في الأغلب ليس سوى اعتياد القيام بالفعل حين التعرض للموقف. وذلك ما أثبتته الدراسات عن التبغ وعقاقير المخدرات، فما بالكم بالشوكولا والقهوة والسكر! فجميع تلك المواد المستهلكة لا يستمر تأثيرها سوى مدة قصيرة، يخرج بعدها المدمن من غيبوبته الإدمانية ليعيش جميع مراحل توبيخ النفس على ما فعل، واللعن والشتم للمواقف التي حصلت، والتفكير المستمر بما حدث.

 تأثير الإدمان على حيواتنا

 

 

 

 

 

كل ذلك خطير فعلا، لكن الأخطر حين ينتقل الإدمان من فعل بسيط، لأمر يؤثر على جميع الجسد وأسلوب الحياة، وحياة الآخرين أيضا ويشعر المدمن بالضيق والقلق إذا لم يمارس إدمانه. وهنا أقصد الوسواس القهري، المرض النفسي، الذي يدمن فيه الشخص فعلا معينا إجباريا للخروج من بوتقة قلقه المستمر. ويتجلى ذلك الإدمان عادة بوسواس النظافة؛ أي التنظيف بشكل مستمر ومرهق، مثل غسل اليدين مرارا وتكرارا دون توقف، أو الترتيب والإحساس بالقلق والألم حال حدوث فوضى في أمور اعتاد الشخص على ترتيبها بنظام معين والدخول بتفاصيل الترتيب بشكل مبالغ فيه. ويصل الشخص إلى هذه الحال - في الأغلب - بسبب الضغوطات النفسية التي عاناها في حياته. هذا الأدمان بالرغم من بساطة مبدأه (تكرار فعل النظافة) إلا أنه يؤثر بشده على حياة الشخص ومن حوله، حيث يصل به الأمر للانعزال خوفا من التلوث ممن حوله أو تعبا من تكرار ممارسة الفعل الذي يقوم به حين يلتقي بالآخرين أو حتى في حال استحمامه حيث يقوم مرارا وتكرارا بتنظيف ذات العضو، وقد يصل الأمر بالبعض لتكرار الفعل حتى نزف العضو الذي يقومون بتنظيفه.

بالطبع هناك إدمان التكنولوجيا، وهو إدمان العصر، فالكثير يشتكون إدمان الأبناء أو أحد الزوجين أو حتى كلاهما للهواتف المحمولة، أو إدمان مشاركة كل لحظة في حيواتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو إدمان اللعب الافتراضي مع الآخرين لساعات وساعات، وكل ذلك يؤثر في حياة الفرد والعائلة بطريقة مؤلمة جدا، حيث يغيب حضور ولي الأمر، أو كشف أسرار البيوت والأسرار الشخصية وسهولة تتبع الأشخاص وتعرضهم للابتزاز والسرقة والقتل في بعض الأحيان.

أيضا هناك من يمارس إدمان الإباحية في الفعل أو النظر فقط، واقعيا أو افتراضيا، وهو أمر يؤثر على حياة الشخص والشريك والأطفال، حيث يقود الأمر في الكثير من الأحيان للانفصال بين الزوجين، وذلك بسبب عدم تقبل الأمر، لكنه في مكان ما داخل نفس المدمن، هو يفعل ذلك فقط لأنه يشعر بالسعادة، وهو ما يحتاج إليه عند تعرضه للقلق والتوتر والضغط النفسي.


لماذا يجب علينا فهم أسباب الإدمان 

بالطبع لا أجد مبررا لأخطاء الآخرين، لكن التغيير يبدأ حين نفهم السبب، وندرك الموضوع بطريقة أفضل وأوضح وأشمل. ويبدأ ذلك حين مواجهة النفس بالسبب أو الأسباب التي دفعتها لإيجاد إدمانها المفضل، أو يمكننا القول (ما يتوفر للشخص أن يقوم به أو يقع به)، فالشخص يختار إدمانه لا إراديا نوعا ما، لكنه حقيقة يلجأ إلى النوع الذي تتقبله ذاته تبعا لخلفيته الدينية أو التربوية أو التزامه أخلاقيا. بينما الذي يقع في إدمان ما تنكره نفسه، فذلك يقع فريسة الإغواء من الآخرين بأن هذا النوع من الإدمان أفضل، أو التغرير به ليقطع الخط الأحمر في ذاته، وبالرغم من كون الإدمان سيئا ومخيفا، بل وخطيرا في كل حالاته، إلا أن قطع الخط الأحمر هو أخطر الأمور جميعها، ولا عودة منها في الكثير من الأحيان.

لذا فإن فهم المسببات التي أوصلتنا إلى الإدمان وحلها بمواجهتها أو تجنبها أو التخلص منها هو الحل الصحيح للتحكم بهذا الإدمان والحؤول دون وصوله لمرحلة الخطر، فإدمان ارتشاف فنجان صغير من القهوة، أو الاستمتاع بقطع صغيرة من الشوكولا أو الغوص قليلا في مواقع التواصل أو الاهتمام الصحيح بالنظافة هي أمور صحية تحتاج إليها النفس البشرية كنوع من الترفيه والتخلص من الطاقة السلبية.

والآن أخبرني... ما هو إدمانك؟

2:29 ص / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة