إعلان رأس الصفحة

الاثنين، 30 يناير 2017

انفصال سري وعيش قسري حفاظا على الكيان الأسري



على الرغم من أن النص الشرعي في حالات الزواج والطلاق كان صريحا مؤكدا على "إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان"، إلا أن هناك حالات زواجٍ خرجت عن النص ولجأت إلى أبشع الحلال عند الله بالطلاق السري والبقاء تحت كنف الأسرة حفاظا على سمعة هذه الأسرة و الابتعاد بها عن كلام الناس الجارح، فصار كلام الناس هو المحرك؛ فهو يقدم ويؤخر في العلاقات..
فما هي الأمور التي تضطر بعض الأسر للانفصال السري أو العاطفي، وبقاء الزوجين في كنف أسرة واحدة رغم توقف العلاقة الزوجية من كل نواحيها بينهما.. 

نجوى العجمي: إن فقدان الثقة من أعظمالمشاكل الزوجية، بسببها تبدأ مرحلة تبلّد الأحاسيس والمشاعر عند الطرفين دون الإدراكبأنها بداية موت العلاقة.ولأن الطلاق غير محبذ اجتماعيا، تلجأ بعض الأسر للانفصال السريّ دون طلاق حرصاً على مظهرها الاجتماعي وهربا من كلام الناس اللاذع، وخوفا على الأطفال وعائلتيّ الزوجين. و مما لا شك فيه أن الإنفصال السري له عظيم الأثر على الأطفال في حال لم يتم تدارك مشاعر الزوجين السلبية أمامهم، كما يؤثر ذلك سلباً على الزوجةبفقدها السند والدعم والحب.
وأضافت: عايشت أسرة منفصلة منذ أكثر من 30 عاما، ولكن للآن لم يقع بينهما طلاقٌ رسميٌ، ونجحت الأم باحتواء أبنائها...فعلا هي أم تستحق التقدير..
ياسمين محمد، قالت: قد تذعن الزوجة لمتابعةحياتها مع زوج لا تطيقه وتتحمل معه ذلّ العيشرضوخاً لظروفها المعيشية القاهرة كأن لا تحمل شهادة دراسية تؤهلها لامتلاك عمل يوفر لها الاستقلال المادي لها ولأولادها بعد الطلاق، أو تخاف رد فعل المجتمع المحيط بها كونها مطلقة، أو أن أهلها لا يدعمونها، بل يشجعونها على الإذعان والرضى بالمهانة. وتتسبب ضغوطات العمل والحياة المادية والحموات والسلايف والغيرة العمياء والشك في خلق مشاكل لا حل لها في بعض الأحيان، لينتج عنها الانفصال.
وأضافت: أعرف امرأة يضربها زوجها دائما ويهينها ولا ينفق عليها، بالرغم من أنها تربي أولاد زوجته الأولى التي فارقت الحياة، لكنها مستسلمة لئلا تتطلق؛ فهي مطلقة قبلاً ولديها أخوات غير متزوجات، فخافت على أخواتها إن تطلقت مرة أخرى، ولأن من طباع الرجل فرض سيطرته على المرأة الضعيفة فقد وصل لهذه المرحلة من الإفتراء.بالمقابل، أعرف امرأة عانت من نفس الحال، وصبرت على الذلّ مع زوجها 25 عاماً حتى كبر أولادها، فذهبت وطلبت الطلاق لاستكمال حياتها في سلامٍ بعيداً عن الإهانات، فبرأيها أنها قد قدمت رسالتها كاملة وتحتاج للراحة الآن، وفعلاً حصلت على الطلاق.
أم آدم: تزوجت وأنا موظفة، وفي نهاية الحمل تركت عملي وتفرغت لطفلي حتى شهره السادس، وعندما وجدت عملاً جديداً، تردد زوجي كثيراً في القبول. ومشكلتي مع زوجي أنه يحاول السيطرة على قراراتي وأمور حياتي كلها مع السعي لإلغاء شخصيتي، كما أنه يعاني من الغيرة العمياء؛ فهو يعارض حتى امتلاكي لسيارة، لأن ذلك يجعلني أستغني عنه في تنقلاتي. ومن هنا كانت بداية الخلاف بيننا... فبسبب رفقتي وخروجي مع زميلة في العمل تمتلك سيارة، جُنّ جنونه وبدأ بإطلاق الإهانات وصفعني ولم يترك مجالاً للمناقشة أو الحديث، ومنعني من الذهاب إلى عملي. لم أخبر عائلتي بما حدث كي لا تتفاقم المشكلة، و اعتبر ذلك خضوعاً مني، فتمادى حتى أوصلني إلى مرحلةٍ طلبت فيها الطلاق، لكني ما لبثت أن عدلت عن قراري بسبب ابني الذي ما انفك يصرخ طالباً أباه، فكانت النتيجة أن عدت إليه خاضعة يقتلني البرود، وما كان منه إلا أن وضع شروطاًتعجيزية لأعود للعمل...لكني لم أرض بها وذهب في اليوم التالي كل منا إلى عمله، تلفنا برودة ظلام ما آلت إليه علاقتنا...
إن مشكلة أي زوجين هو الاختلاف بين الرجل والمرأة، وعدم وجود تفاهم بينهما، وإذا كان هناك اختلاف في المستوى التعليمي أو المكانة الوظيفية بينهما فستبقى عثرة في حياتهما مهما حاولا رمي ذلك خلفهما..

جمال محمد، متزوج منذ 17 عاما، قال: شهدت حالات انفصالٍ زوجي عن قربوقع فيه الطلاق ولم تستكمل إجراءاته، ومكث المطلقان في نفس البيت مع أبنائهما لفترة من الزمن لترتيب الأمور قبل إشهار طلاقهما. كان السبب اختلاف وجهات النظر، وحسابات مالية متعثرة بسبب تحمل المرأة جزءاً من تكاليف المعيشة، و قد دعاهم إلى هذا القرار في المقام الأول الخوف على الأولاد والحفاظ عليهم من التشتت والضياع، وفي المقام الثاني عدم التسرّع لئلا ينقلب كل شيءٍ رأساً على عقب، فقد كانا مرتبطين بمدارس أولادهما وعقود أعمالهما، كما لم يكن بمقدورهما تحمل أجرة منزلين، ولا تدخلعائلة المرأة التي سيجعلونها تترك كل شيء لتعود إلى بلادها، فهملن يرضَوا بعيشها وحدها في بلد غريب وإن كان لأجل أطفالها.
برأيي أنه أسلوب انفصال خاطئ، فإن كان انفصالاً دون طلاقٍفسيؤثر ذلك على سير حياتهما، فيفقدا الطمأنينة والسكينة التي وجد الزواج لأجلها، في حين لو تطلقا فسيستمر كل منهما في حياته وسيحصلان على فرصة لممارسة حياة جديدة. أيضا سيؤثر ذلك على الأولاد ويوترهم، فإنهم سيلاحظون عدم الانسجام والاصطناع في الكلام والحركات بين أبويهم. ولا ننسى احتمالية حدوث حمل، فالاثنان متزوجان، لكن السؤال، كيف ستكون حياة ذلك الطفل، وماذا سيكون مستقبله.
وأما إن كان انفصالا بطلاقٍ غير معلن، فحتى وإن كان لمدة معينة فهو حرام من الناحية الشرعية، ولا ننسى احتمالية أن يقعا في الحرام كونهما يعيشان في نفس المكان. ولنفترض أن أحدا قد علم بقرارهما؛فسيغدوان مجال كلام للجميع، وسيدفع الأولاد ثمن ذلك كله في فيما بعد.

محمد سعيد، متزوج منذ 20 سنة، قال: بعض الأزواج يتخذون قرار الانفصال ويلتزمان به فميتنعان عن ممارسة علاقتهما الزوجية وإن كانا ما زالا مرتبطان شرعا، بينما يرى البعض الآخر أن الانفصال العاطفي شيء والعلاقة الزوجية شيء آخر لا يمكن أن يحل الزوجة منها حتى وإن كانت مكرهة على ذلك. وتكون النتيجة أطفالاً ثمرة علاقة تفتقد الود ودفء المشاعر. وهل سيتم تربيتهم بالشكل الصحيح والبيئة الصحيحة؟ فما بالنا بمن يقع الطلاق بينهما وما زالا يعيشان تحت سقف واحد؟ بالطبع من الممكن أن يقعا في المحظور ويمارسان علاقة محرمة قد ينتج عنها طفلا غير شرعي.

خليفة المحرزي، المستشار الأسري في محاكم دبي:إن الاختيار هو سبب الانفصال؛ فالاندفاع العاطفي الذي يعيشه أبناؤنا ما هو إلا تأثير الروايات والمسلسلات والأفلام على عقولهم، مما يدعوهم لنسج خيال كاذب عن الشخص المقابل أنه إنسان كامل خالٍ من العيوب تحت ظل الرومانسية والحب الأعمى. فما يكون من تلك التصورات غير الواقعية إلا الانصدام بالواقع بعد الزواج ومعاناة الاختلاف في النفسية وطريقة العيش المادية والاجتماعية. لذا فمن رأي المحرزي أن يتم اعتماد أسس الاختيار الصحيح في الزواج للمحافظة على ديمومته، بالطبع دون التقليل من أهمية وجود عاطفة بين الطرفين تساعدهما على تقبل كل منهما للآخر.

د. امل على الحمادي، دكتوراة في الطب النفسي السريري ومديرة مركز الأمل للاستشارات والتطوير: إن الطلاق العاطفي حالة من الجفاف والإنفصال الوجداني تحدث بين الزوجين، فيعيشان في بيت واحد بأجساد دون روح أو عاطفة،و لكل منهما حياته الخاصه المنفصلة عن الآخر. ويحدث الطلاق العاطفي نتيجة تراكم التوترات والمشكلات والخلافات في الحياة الزوجية، أو بسبب عدم التوافق العمري والتواؤم الفكري والثقافي والاجتماعي والمادي، أونتيجة عدم قدرة كل من الزوجين التكيف مع رغبات الطرف الآخر، أو لوجود اختلافات في الأهداف والميول والطموح أو بسبب العوامل الفسيولوجيةكانعدام التبويض وانخفاض نسبة هرمون الاستروجين والبرجستيرون في الدم، ولا ننسى أيضاً ظهور بعض السلوكيات السلبية من أحد الزوجين؛كالخيانةوالإهمالوتعاطي المخدرات...الخ. وقد يستمر الطلاق العاطفي لسنوات طويلة دون لجوء الزوجين للطلاق المباشر.
ولعلاج الطلاق العاطفي بين الزوجينلا بدّ من كسر حاجز الصمت بينهما بفتح الحوارات والمناقشات الهادئة الهادفة التي تساعد على خلق جو عاطفي يمنح الحياة الزوجية دفئاً، وينهي حالة البرود بينهما، وألا يجعلا ضغوطات الحياة تؤثر على مشاعرهما، ومحاولة خلق جو التجديد لكسر جدار الرّتابة والروتين العاطفي، وألا يجعلا من الخجل والخوف من إبداء المشاعر قطعة ثلج تتراكم حتى تكون هذا الجليد، والعمل على زيادة الصراحة والوضوح والمرونة في العلاقة الزوجية،وإتاحة المجال لكل منهما ليقول مالديه مع ضمان استماع الطرف الآخر، وأن تتعلم الزوجة فن الدبلوماسية مع زوجها فتستخدم أساليب المديح والثناء في كل الأمور بدءاً من شكله وطلعته إلى طريقة كلامه وتعاملاته، وأن تعبر له عن حبها بالكلمات الجميلة وأن تكون طاقة جذب إيجابية له من خلال تعاملها واهتمامها في بيتها وشكلها ونظافتها وأبنائها...

المحامية غصون عبد الرحمن دركزللي: إن سوء الاختيار للشريك؛ من اختلاف ثقافي و سلوكي و تفاوت عمري، والاختلافات على المسائل المالية، والتدخل السلبي للعائلة بين الزوجين بالتفريق وشحن أحد الطرفين على الآخر، وسوء المعاملة بين الزوجين من إعتداء جسدي أو معنوي، والخيانة، وعدم الإنجاب هي أبرز الأسباب التي تؤدي إلى وقوع انفصال عاطفي بين الزوجين قد ينتهي بوقوع الطلاق، لكن الخيانة وسوء الاختيار تحتل المراتب الأولى لأنها تتسبب في إحداث فجوات في العلاقة الزوجية لا يمكن إصلاحها. وقد يقع الخلاف بسبب عدم قدرة الزوج على الإنفاق وتلبية جميع متطلبات المنزل، فإذا تمت تلبية هذه المتطلبات بمساعدة من زوجته وبرضاها فستخف الضغوطات على حياتهما الزوجية وتهديدها بالانفصال.
ويلجأ الزوجان للانفصال فيما بينهما سراً خوفاً من المجتمع وردة فعل العائلة و مظهرهما أمام الناس، وحرصاً على الأولاد ومنعا لتشتت شملهم. لكن لهذا الانفصال تأثيرات على جميع الأطراف؛ فهو يؤثر سلباً على كلا الزوجين، لكن المرأة بشكل أكبر فالألم النفسي لديها يكون أشد، وإن وقع الطلاق وحاولت الارتباط بآخر لن يرحمها المجتمع أيضا وسيتّهمها بالتفريط بأبنائها وقد يحرمها حتى من رؤيتهم، كما سيطلقون عليها ألقاباً شتى. أما الرجل فالضرر عليه أخف، حيث يشعر بفقدان الاستقرار، لكن في حال وقوع الطلاق فإنه سيلجأ للارتباط بأخرى وسيباركه الجميع. وأما الأبناء فسيشعرون بعدم الاستقرار بين أبويهم وسينعكس ذلك سلباً عليهم؛ في حياتهم وشخصياتهم وسلوكياتهم، وسيظهر ذلك بالانعزال والاكتئاب والعدوانية وفقدان الشهية... أما إذا وقع الطلاق فسيشعرون بفقدان الاستقرار المطلق نتيجة استقرارهم مع أحد الأبوين دون الآخر، وقد يكون ذلك مع شريك آخر، أو في حالات كثيرة مع إحدى الجدتين، لكن إذا وقع الطلاق وتم ترتيب جميع الأمور بشكل سليم فسيخرج الجميع بأقل الخسائر، وذلك أفضل من الانفصال غير المعلن.
ويجب أن يتلفظ الزوج بالطلاق ثم يسجل على ورق ليقع شرعا، ثم توثيقه وإحضار شهود للحفاظ على حقوق جميع الأطراف. والأصل بالطلاق العلانية والاستثناء هو السر، وتقدر الحالة بحسب مصلحة الأبناء والأسرة، لذا فإن الطلاق السري علاج مؤقت واستثنائي. أما إذا وقع الطلاق سراً ثم تمّكتابة اتفاق بين الطرفين في ورقة تحتوي اتفاقهما كاملاً فالعقد شريعة المتعاقدين وهو اتفاق جائز بين الطرفين.

فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي: للانفصال بين الزوجين أشكال لكل منها حكما شرعيا؛ فالزوجة التي تمتنع عن زوجها أو الزوج الذي يمتنع عن زوجته لأسباب غير مهمة يستطيعان التفاهم فيها، أو بسبب المرض فهما ملعونان عند الله، لأنهما مسؤولان عن كيان الأسرة وبناء المجتمع، فالتمنع يؤدي لتفشي الفاحشة في المجتمع، ويحق قانونا طلب الطلاق لأي منهما بسبب الضرر. أما الزوجان اللذان يتفقان على الانفصال في العلاقة الزوجية بينهما لأي سبب كان، فإنهما غير آثمان لأنه تمّ بالتراضي. وأما الزوجة التي تمتنع عن زوجها بسبب ضربه الشديد أو الدائم لها أو سوء معاملتها، فإنه آثم وملعون عند الله، وهي لا تؤثم.

وأما بالنسبة لمن يقع بينهما الطلاق ويقرران البقاء معا في نفس المنزل لفترة معينة حتى يتممان ترتيب أمورهم ففي ذلك حالات: الأولى عندما لا يكون هناك أولاد، وهنا يحرم عليها البقاء، ويعتبر من أمور الزنا. والثانية أن يكون هناك أولاد، وهنا يجوز لها أن تبقى، لكن يحرم عليهما أن يختليا، وتَحْرُمُ عليهما النظرة أو لمسة اليد، تماما كحكم الأجنبية. والثالثة أن يكون الطلاق من النوع الأول (أي الطلاق الرجعي الذي تقع فيه الطلقة الأولى)، وهنا يجب بالأصل بقاء الزوجة فترة العدّة، وهي 3 أشهر، في بيت الزوجية للمساعدة على الرجوع عن الطلاق والحفاظ على الأسرة.
11:26 ص / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة