إعلان رأس الصفحة

الاثنين، 5 أبريل 2021

مراجعة في الرواية الحاصلة على جائزة كتارا 2020 (الرديف)

"رواية الرديف أين هي على سلم روايات الرعب"

رواية الرديف الحاصلة على جائزة كتارا 2020

مقدمة عن رواية الرديف

هي رواية كتبها الكاتب الشاب الأربعيني محمد المخزنجي، وهي أول رواية منفردة له بعد روايتين شاركهما مع كاتبين آخرين هما إبراهيم حلمي في رواية قاتل ولكن، ومُكَرّمْ خلف في رواية ألف ليلة في الجحيم، ومجموعة قصصية ونوفيلا. تم تصنيف رواية الرديف تحت أدب الرعب، كتبت في 228 صفحة، تم نشرها من قبل المجوعة الدولية للنشر والتوزيع، مشروع بورصة الأدب. حصلت عام 2020 على جائزة كتارا عن فئة أدب الرعب الذي يحصل على جائزة لأول مرة.


محتوى رواية الرديف

الرواية فعليا هي رواية تجمع بين الدراما والخيال والرعب النفسي ببعد فلسفي. تتحدث الرواية عن شخصيتين رئيسيتين عاشتا في مكانين مختلفين ذات خلفيتين مختلفتين. 

الأولى هي المصري المسيحي (فريد) الذي ولد عام 1968 في أسيوط، تربى في كنيسة وكبر ليدرس علوم الللاهوت، وهو ابن الكاهن المسيحي (بطرس متري) - الذي حمل شهادة الدكتوراة في علم النفس- وامرأة يهودية، درس الطب النفسي وتعرف على إيليماك الفتاة الأجنبية الفاتنة، ومات في عمر الخمسين في عام 2019. 

والثانية هي المصري المسلم (يعقوب) الذي ولد عام 1918 في المملكة المتحدة، ابن الطبيب الجراح المشهور (جلال المسيري) واليهودية المجنونة بالسحر ذات القصة الغامضة، قرر أن يكمل دراسة علم النفس ثم قرر الهروب ليصبح مجندا بمسمى "الرديف" في الجيش الملكي المصري ليلتقي بكاميليا ومات في التسعين من عمره عام 2011.

تدور أحداث الرواية جميعها حول كلمة الرديف ومعانيها بطريقة فلسفية أحيانا، ومرعبة أحيانا، ونفسية تارة أخرى.

شخصيات الرواية : فريد بطرس متري، د. كمال متري، د. جلال المسيري، يعقوب جلال المسيري، كاميليا، إيليماك، إبراهيم، صوفيا، الشيخ سليمان، زينون، زينونة، داجر، ريمون.


نقد في رواية الرديف

لنبدأ في تحليل الرواية بدءا من الغلاف، قد يشعر القارئ في البداية أن صورة الغلاف لا علاقة لها بالرواية، بينما تتحدث الصورة المستخدمة عن مواجهة الموت الحتمي خلال خوض حرب بالرغم من لبس الدروع الواقية الحامية كالتي تلبس في الجيش قديما، وهي إحدى الأفكار الفلسفية التي تتحدث عنها الرواية. وفي ذات الوقت تستشعر صرخة الموت التي تتحدث عنها الرواية في مواجهة الأحداث من خلال الغلاف، لذا فالغلاف فلسفي شأنه شأن الرواية.

أما اسم الرواية "الرديف" فهو من صميم مغزى الرواية وما تدور حوله من أحداث. فالرديف يعني : "مَنْ يسرَّح من الجيش العامل ليكون مَدَدًا في التَّعبئة العامَّة، جُنْديّ احْتِياطيّ"، والمعنى الآخر وهو "الشبيه" و أيضا "التابع".

تم سرد الرواية بطريقة احترافية، لكنه يحمل طابعا فلسفيا ليحمل فكرة نفسية معينة أثناء القراءة. فقد تم طرح المشهد الأخير من الحدث، ليفسر بعضا من الأمور، ثم يعود بالزمن إلى الوراء ليبدأ في التدرج في وصف الشخصيات وما أثر عليها من أحداث وكأنها قصصا قصيرة جمعت لتعطي الشكل النهائي للرواية. كما جمّل السرد صورا بلاغية جميلة مثل: 

- والبرق يضرب أحشاءها بشراسة الضوء في اجتياحه للعتمة

- وهو مستسلم لوحدته يعاقر غربته 

- نهش الخوف ما بقي من إنسانيته.

تسرب الليل بسرعة بعد أن غربت الشمس واختفت خلف سماء تملأها الغيوم التي تعطي للقمر لونا رماديا يخفي نصف نوره  متواريا بخجل لا قدرة له أن يمنع السحب التي تكونت لتحجب الكثير من ضوئه.



اعتمد المخزنجي أسلوب السرد الكثير مقابل بضعة سطور من الحوار على طول الرواية، وكأنه يؤمّن على توجه الرواية النفسي حين يجعل نفس الشخص هي من تتكلم وتحاور نفسها على طريقة كتابة المذكرات. وقد ذكرني ذلك بأسلوب الكاتب الشهير أرنست همنغواي في رائعته "العجوز والبحر". كما أن طريقة كتابة المذكرات كفيلة بسرد دواخل النفس اتجاه الأشخاص والأحداث بدون تجمل أو مراعاة لأي شئ، وهذا ما حدث في قصة أخت فريد متري "صوفيا" مثلا، أو قصة الفتاة الصغيرة كاميليا والبئر.




تنقل الكاتب بين القصتين بطريقة تجعلك تلف وتدور حول الصفحات مرارا لتتأكد من كنه الشخصية التي يتحدث عنها، كما أن وضع الأسماء التي تنتهي باسم العائلة "متري" له من الأثر الكثير على عقل القارئ، مما يجعله يشعر بأنه في دوامه، خاصة حينما ذكر اسم "فريد متري" ثم اسم "يعقوب جلال متري" ثم اسم "يعقوب جلال المسيري" فتبدأ بالشعور بالجنون.

أيضا بدأ الكاتب روايته بالحديث عن المريض فريد متري بأنه الرديف، ثم يقول لك بأنه الطبيب الذي جن عقله ليصبح مريضا بعد أن كان طبيبا لشخص في التسعين  من العمر اسمه الرديف. ذلك أدى للتلاعب في عقل القارئ لفترة من الكلمات المسطرة على صفحات تلك الرواية.

غلب على الرواية طريقة الكتابة الأدبية الأجنبية التي تأثر بها الكاتب، ذلك جلي بطريقة السرد وطرح الفكرة الفلسفية بوصف متدرج يحمل إسقاطات فلسفية دينية وعقائدية. فنجد حديثه عن المستعمرة و الشيخ سليمان ما هو إلا إبليس الذي يغرر بالنفس البشرية ويدخل جوفها ليوجهها اتجاه شهواتها جاعلا إياها تعتقد بالخلود أو الارتقاء وتجلى ذلك من فكرة الثمرة التي رمى بها يعقوب، وفكرة الارتقاء إلى السماء الثالثة وعزف المزامير والطبل المستمر ودعم الشواذ وقبولهم وجميع الأشخاص المخطئين دون الانخلاط بنسبهم لا يدل إلا على قوم الشياطين. 




أيضا ذكر المعلم الذي علم إيليماك الموسيقى هي وفرقتها، الموسيقى بألوانها وتأثيرها وآلاتها لاستخدامها كالسحر لاغواء العقول ما هو إلا دلالة على الشيطان.

ولتثبيت الكاتب فكرة التشابه بين الشخصيات جعل اسم كاميليا وإيليماك هما ذات الاسم لكن بطريقة معكوسة، شأنه شأن تلك الأم اليهودية لكلا البطلين واتخاذ كل منهما الطب النفسي علما ومهنة لهما.


أفكار رواية الرديف الفلسفية

يتحدث الكاتب عن بحث الإنسان بشكل دائم عن التمرد على واقعه وجميع ما تربى عليه من أفكار، والذي قد يصل بالإنسان إلى السقوط إلى أسفل الهاوية، ليصبح إحدى ضحايا الشيطان، أو أحد جنوده الاحتياطيين الذين سيستخدمهم للايقاع بأناس آخرين.

كما يتحدث عن عن قوة الإغواء التي يتعرض لها الإنسان حين ينشأ على قيمة أخلاقية أو تربوية معينة بعيدا عن الواقع المجتمعي، لذا فحين يبزغ أمامه بريق الشهوة والتجربة فإنه يركض خلفه دون أن أي تردد.

أيضا يتحدث عن قوة الشر الكامنة في جسد الإنسان الأجوف، الذي كان من السهل على الشيطان ملؤها وشحذها في أي وقت، وسهولة استجابة بعض الأشخاص المتخفيين باسم الدين أو المركز الاجتماعي لارتكاب هكذا جرائم أكثر من غيرهم، وهو الأمر الجلي في والدي البطلين. فالمنع الدائم عن الشيء يولّد الرغبة الشديدة به.

أما فكرة الكارما وهي معاقبة الخاطئ على فعله مهما مر من الزمن، وتتجلى هذه الفكرة في كاميليا نفسها، وهو أمر ستعرفه خلال قراءتك، وأيضا حين يخطئ البطلان لتكون جزاتهما قطع اللسان والأصابع، شأنهما شأن العديد من اللأشخاص، والموت بطريقة شنيعة في النهاية.

أيضا هناك الفكرة الرئيسية التي دارت حولها الرواية (الرديف) وهي تتابع بني الإنسان وتشابههم في ذات الوقت في تتبع خطى الشيطان اتجاه الرغبة مهما اختلفت الأزمان والأمكنة والأسماء والشخصيات والمراكز والعقائد، وتجنيدهم لحين يحين الوقت.

دعونا لا ننسى فكرة التيه في الشخصية والزمن الذي عانى منها كل من فريد ويعقوب، والذي يجعلك تشعر كيف يتوه ابن آدم في مجاهيل الدنيا والحياة وشهواتها دون الشعور بالوقت والأحداث، فكأنه شخص غُيّبَ بسبب المخدرات أو السكر. فها هو فريد قد أكمل دراسة الطب النفسي وأصبح مساعدا لمدير مستشفى العباسية دون أن يعرف كيف ومتى.

وأخيرا، وضح المخزنجي أهمية التكنولوجيا الحديثة في حياة البعض، وكيف تستطيع قلب حياة الآخرين واستطاعة مكتومي الصوت وقليلي الحيلة على الوصول لمبتغاهم، أو على الأقل محاولة الوصول. وكيف أن التكنولوجيا في ذات نفسها مخيفة تكشف جرائم وبشاعة أبناء آدم.


رأيي في الرواية

هي رواية تستحق القراءة، فهناك العديد من الأمور الموجهة والأفكار الجيدة. 

لكني حقيقة لم أشعر بالمتعة في القراءة، وقد يكون السبب الرئيسي هو ترقبي لأحداث مرعبة أو قابضة للنفس، فهي رواية فازت عن أدب الرعب، فجلست طوال قراءتي للرواية أترقب حدثا مرعبا لأجد ريحه في النصف الثاني من الرواية، لكن المخزنجي كما عودنا فإن الرعب لديه له شكل آخر.

أيضا من الأسباب الأخرى لعدم متعتي هو عدم استطاعتي للتمييز بين الشخصيات في بادئ الأمر والتيه بين الأسماء المتشابهة والأحداث.

في المقابل شعرت بالمتعة أثناء التحليل للأحداث والشخصيات، وهي حقيقة ما أشعر به أثناء قراءتي لروايات المخزنجي، بعكس قراءتي لقصصه القصيرة حيث أشعر بالمتعة والتشويق. وفعليا ترسخ أحداث رواياته في العقل دون خلل، فبعد أكثر من سنتين على قراءة روايته قاتل ولكن، ما زالت 90% من أحداث الرواية في ذاكرتي.

في الحقيقة شعرت كأنني أقرأ رواية من نصفين، النصف الأول سليم لغويا خاليا من الرعب (على الأقل بالنسبة لي) خاليا تقريبا من الحوار، والنصف الثاني فيه بعض الأخطاء اللغوية، تبدأ فيه ريح الرعب تهل على الجمل والأحداث، تظهر فيه بعض الحوارات والجمل الاستثنائية. 

هناك أمر لم يعجبني بتاتا، وهو استخدام المشاهد الإباحية في الرواية، فبالرغم من تطويع المشاهد لخدمة النص، إلا أنني أعتقد أنه كان باستطاعة الكاتب ألا يستطرد في الوصف، واستخدام قوته في اللغة العربية للوصف دون التوضيح. وإن هذه النقطة تهمني جدا عند قراءة أيّة رواية.

أيضا كنت أتمنى التوضيح أكثر عند بداية كل فصل من الرواية عن الشخصية باسمها مثلا، لئلا تكون شائكة جدا خلال القراءة. وأيضا توضيح بعض النقاط مثل أم يعقوب وكيف سحرت عائلتها عائلة والده وعن البيت المستمر بالاحتراق وأمورا أخرى.




3:47 م / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة