مسلسل ونوس:
لا أدري سبب تأخري عن مشاهدته كل تلك السنوات، فهو من أروع ما شاهدت في حياتي.
سواء على صعيد التمثيل، خاصة يحيى الفخراني ونبيل الحلفاوي اللذان قد تألقا في مشاهدهما معا كرجل وأنيسه أو قرينه الذي لا يفارقه. وحنان مطاوع التي تألقت كعادتها.
أو على صعيد الإخراج، وذلك من خلال الاهتمام بتفاصيل قد تعمق بها المخرج شادي الفخراني، نجل الممثل المبدع يحيى الفخراني، فأبدع بها؛ سواء كانت أزياء الممثلين، وبشكل خاص أزياء يحيى الفخراني، فقد صوره كرجل غربي، قد تعتقده متحفظا، ولكنه يدهشك بانفتاحه على الأمور وعدم توقفه عن فعل اي شيء.
وأيضا على صعيد الأماكن التي كان يُدخل إليها ونوس أو يخرج منها، فمثلا كان يجعله يخرج أحيانا من الحمامات، ولا يغسل يديه أبدا.
حتى المكان الذي اختاره المخرج ليعبر عن ماهية ونوس وعمله... الملاهي
وقد قال عنها أنها خارج نطاق الحياة، وكان حديثا ذو دلالة على تغيب الشخص عن الوعي أثناء وقوعه في الأخطاء والملذات.
وأما على صعيد القصة، فيقال أنها مستوحاة من العمل الشهير (فاوست) ليوهان غوته، ولكن حكاية الإنسان والشيطان حكاية قديمة جدا، لا تحتاج أن تكون مستوحاة من أي عمل أجنبي، خاصة اهتمام المخرج والمؤلف بسرد التفاصيل من الناحية الدينية.
فالتفاصيل والحكاية وطريقة السرد التي اتبعها الكاتب عبد الرحيم كمال قد امتازت بتناول أكثر المواضيع حساسية في مجتمعاتنا، من البحث عن المستحيل في حال المرض، والقتال بين رجلين شقيقين على إمرأة، وقد كانت الخطيئة الثانية في الدنيا، والداعية الذي سلبته الأضواء والشهرة والمال من عائلته ومسؤولياته ودينه والتزامه.
وعلى صعيد الحوار، فأقل ما يقال عنه أنه مثالي إلى حد الجنون، خاصة حين التقى ونوس ياقوت وهو يتوضأ، وحين مثّل ونوس الضعف وادعى أن حياة ابن آم أفضل من حياته الخالدة، وحوارات الحلقة الأخيرة كلها، خاصة موقف ونوس وياقوت على طاولة توقيع العهد...
وعلى الرغم من اختيار شادي الفخراني طريقة الكوميديا للتخفيف من حدة المشاهد، إلا أنها سببت لي على الدوام القشعريرة، فكل ضحكة ضحكها ونوس كانت تخفي مكرا وحقدا.
كانت جميع المشاهد تسبب لي التوتر وعدم الراحة، بسبب الطريقة التي اتبعها يحيى الفخراني في تجسيد شخصية ونوس ، ذلك الشيطان الذي يلازم الجميع ولا يترك منهم أحدا، والمتواجد في كل مكان، والذي يزيّن جميع الخطايا، ويستدرج كل شخص من نقطة ضعفه بدهاء وحنكة. ذلك الشيطان الحكيم العارف والمعلم لأمور السحر والأذى.
حتى أنه جعلني أنهار في نهاية المسلسل بكاء وارتجافا من هول تصعيد المشهد وتصويره، وكيف أن الله غفر لياقوت رغما عن أنف ونوس، فقبض روحه قبل أن يوقع عهد تسليم روحه، فاغتاظ ونوس وصرخ قائلا: أنا الزاهد، أنا الأول، أنا اللي عبدتك الأول، غفرتله بعد كل اللي عمله، وأنا غلطة ما غفرتهاش ليا، أنا متغااااااظ...
أمورا عدة تجعلك ترتجف، كيف استطاع ونوس استدراج الجميع واستطاع تغيير نفوسهم إلى أبشع صورة ممكنة. مشاهد تجعلك تفهم سبب تغير الناس إلى النقيض معك دون سبب يذكر، أو تحولهم من حال إلى حال.
ولن أنسى الثناء على اختيار الأسماء...
ونّوس ... الاسم الذي يوحي لك بالوسوسة، وفي ذات الوقت يعني الكثير من الأُنس.
ياقوت... الاسم الذي ارتبط بالعبودية على مر السنين شأنه شأن اسم فيروز، وفي ذات الوقت يعبر عن جوهرة جميلة جدا.
ولكن.. على الرغم من كل ذلك، برأيي هناك بعض السقطات التي لولا وجودها لكان المسلسل لا يضاهى.
الأولى، عندما لم يتم توضيح موضوع العقد وعلى ماذا تم بشكل صريح وكيف استطاع ياقوت الفرار من التوقيع على الرغم من عيشه لسنوات يستفيد من ونوس، قبل فراره وتوبته.
الثانية، عدم توضيح أمر المال الذي كان في الحقيبة، فتارة كان ونوس يطالب ياقوت به، وتارة يعيد المال إليه حينما يفقده أو تتم سرقته.
وياقوت الذي كان لا يريد المال، وكان يدعو للتخلص منه لأنه مال حرام، حين سرقه أحدهم ركض خلفه ليستعيد ماله.
والثالثة، هي عدم توضيح ماهية الصديقة الكوافيرة، وما هو عملها مع ونوس، على الرغم من وجودها لسنوات عديدة قبل ظهور ونوس.
والرابعة، لماذا اختار ونوس الظهور في هذا التوقيت حصرا لاستعادة ياقوت؟
والخامسة، كيف استطاع القصبي إيجاد ونوس دائما؟ وكيف استطاع أن يعلم في البداية أن من طرق الباب عليهما هو وياقوت كان من طرف ونوس، وكيف لم يعلم أن من شاهده بعد ذلك واستدرجه كان ونوس؟
فهل كانت له خطيئة استدرجه بها، أم أنه خطأ العابد كثير الزهد!!!
السادسة، لماذا تم تحديد شخصية القصبي بالمتصوف ومظاهر الصوفية؟
السابعة، هي عدم استنكار الشخصيات لخروج ونوس في أماكن ليس من المفترض وجوده فيها وبكل تلك البساطة.
وعلى الرغم من كل ذلك...
هو في تقييمي يصل إلى التمام، حيث لا ينافسه مسلسل آخر، حتى أنه فاق مسلسل الخواجة عبد القادر الذي احتل لسنوات مركز أفضل مسلسل، هو ويتربى بعزو.
في الحقيقة يحيى الفخراني قد امتاز دائما بما يقدمه من أعمال ذات معنى وهدف، ليقدمها بحرفة الفنان الحقيقي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.