خاطرة _ صبر أيوب
عندما أنهيت سنتي الدراسية الجامعية الأولى قررت أن آخذ إجازة طويلة من الدراسة العلمية، وقررت أن أهتم بإحدى الأمور التي تثير شغفي، فقررت أخذ دورة تدريبية في الخياطة والتفصيل...
كان شهرا قاسيا وممتعا في الوقت ذاته، فلقد كانت طرق الرسم التفصيلي تحتاج لتركيز وأخذ قياسات صحيحة، ناهيكم عن استخدام ماكنة الخياطة ذاتها، حيث يتوجب على الشخص الموازنة بين دوسة القدم على مشغل المحرك (مثل دواسة البنزين في السيارة) وقوة تثبيت القماش تحت إبرة الخياطة مع فرده وتحريكه بطريقة سلسة في الوقت ذاته.
تعلمت في ذاك الشهر ما هو أفضل من الخياطة... تعلمت الصبر وتكرار العمل مرارا حتى الإتقان.. فقد فككت ما خطت مرارا وتكرارا أملا بالوصول إلى خط خياطة متقن وذو درزات متساوية القياس.
عندما كبرت أكثر، تعلمت حياكة الكروشيه أثناء دراستي للماجستير، فكنت أجلس أمام المدفأة أحيك ما يقي رأسي ورقبتي من برد الشتاء القارس... وكم من مرة فككت كل ما حكت وأعدت الكرّة حتى أتقنت الأمر ورضيت نوعا ما على ما أنجزت.
كبرت أكثر، وتعرضت لمصاعب كثيرة وهموم وابتلاءات، لكني اكتشفت أنه بالرغم من ترويضي لنفسي بالصبر وتكرار المحاولة حتى الإتقان لم يصل لدرجة الصبر على الشدائد بقوة.. وكلما كبرت كلما بت أفقد الصبر أكثر على المواجهات...
ثم اكتشفت أمرا...
أنه مهما روض الإنسان نفسه وروحه على المواجهة فستظل سهلة الانكسار، وسيبقى الصبر مجرد ملصق لماع يختبئ خلفه...
وأنه فقط ... وأقولها بكل تأكيد .. بأن الصبر الحقيقي لا يكون سوى بالذكرى والعون والإيمان.
الإيمان بأن الله معنا...
والعون ممن نحب ..
والذكرى من القرآن والأحباب..
فبالرغم من معرفتنا أن الهم إلى زوال، وأن لا شئ يبقى على حاله، وأن الحق سيظهر ولو بعد حين، وأن الصلاة تريح النفس، وأن الله سيستجيب، إلا أننا للحظة نقع في الفخ، فتسقط جميع المعتقدات ويضمحل الصبر وننسى كل ما تعلمناه وعلمناه وآمنا به... نقع في شباك الضعف والشك البشري. هنا يأتي التذكير بما نعرف كالماء البارد الذي يثلج الصدر من احتراقه. وأحيانا يأتي وقع بعض الكلمات علينا كالسحر، وكأننا لأول مرة نعرف هذه المعلومة، أو لأول مرة نستمع لهذه الآية، أو لأول مرة نعرف معنى ما نقول ونردد..
لحظات سحرية تجعلنا نتخطى مفترق الطرق بنجاح باهر، وتبدد الطاقة السلبية التي تلفنا أحيانا....
هنا أتذكر الأية الكريمة في سورة الأعلى ( فذكر إن نفعت الذكرى، سيذّكّر من يخشى ويتجنبها الأشقى) فأشعر بأنها ذاك الفارق بين وصول أحدنا إلى الحضيض ووصول آخر إلى برّ النجاة. فهل بات لدينا فعلا من يهتم بالتذكير؟ أم أن جُلّ اهتماماتنا تنصب على المعرفة الفضولية والشماتة والنميمة بأحوال البشر؟
لقد اهتممنا بمعرفة أحوال البشر ونسينا تعاليم رب البشر...
#أفنان_زعيتر #صباحو #الصبر #يا_صبر_أيوب #كروشية #خياطة_و_تفصيل #فذكر_إن_نفعت_الذكرى #ابتلاءات #مصاعب #فلسفة_آخر_الليل #إسأل_مجرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.