أبو الكرامات.. هل هي كرامات أم حُرُمات
مقدمة عن رواية أبو الكرامات
هي أولى روايات الكاتب إسلام سمير عبد الرحمن، وهو مدرّس من مواليد مدينة الإسكندرية.
تصنف الرواية على أنها من أدب الرعب النفسي والخيال، جاءت في 257 صفحة، نشرتها دار زين للنشر والتوزيع عام 2019.
غلاف الرواية
يعبر الغلاف عن الشخصية الصوفية ذات الكرامات، وقد رسمت شخصيتان للرجل الذي يلف بتنورته ويحمل طربوشا على رأسه، وقد تم استخدام اللون الأبيض النقي الذي يعبر عن الطهارة، ليلوث ذاك البياض الدم الأحمر النجس الذي ينزف من أيدي الشخصيتين. كما نجد اللون الأسود الذي يوحي بوجود غمامة من السواد والشر والخطيئة.
وإني أجد بعد قراءة الرواية أن الغلاف معبر كثيرا عن المحتوى الذي يتحدث عن شخصيتين رئيسيتين يتوارثا الكرامة ويلوثان أيديهما بالخطيئة.
لقد جذبني كثيرا الغلاف المتقن الرسم والتعبير، وكان له كبير الأثر بتحفيزي على القراءة. وإن كان ما توقعته من حكاية من خلال الغلاف لا تتوافق كثيرا مع ما وجدته، إلا أنها معبرة عن المحتوى بشكل كبير.
فكرة رواية أبو الكرامات
هي حكاية شخص يعمل كعميد شرطة (علوان عوف الأصيل)، عمل مأمورا لقسم بطن الجبل، في قنا. كان شخصا ذو نفوذ وسلطة ومال ورثه من أبيه، كان يدير المنطقة المسؤول عنها بكل حكمة ونجاح وقوة وهيبة، فكان ينصر المظلوم وينتقم من الظالم ويعاقبه، ويهاجم الأعداء دون خوف، وينفق من أمواله على الفقراء، حتى أنه شنّ حروبا على مطاريد الجبل المجرمين. وخلال ذلك ظهرت له مواقف عديدة خارقة للطبيعة فأصبح لقبه أبو الكرامات، وكان أهله المنطقة يقولون له "يا مولانا".
وبعد وفاته يأتي ابنه (ركن الدين)، الذي تركه منذ زمن وذهب إلى القاهرة ليعمل في الشرطة أيضا، يريد أخذ جثمان والده لدفنه في القاهرة، لكن عائلات بطن الجبل وشيوخها رفضوا نقله، بل بنوا له أيضا مدفنا يليق به كصاحب مكرمة إلهية.
ثم يمر الزمن لنرى الحفيد (أمجد) الذي تخصص في مكافحة الإرهاب قسم التدخل السريع، يعاني من مشاكل في حياته الشخصية فيطلب نقله إلى ذات المنطقة التي كان يرأسها جده، حيث ما زالت عمته وابنة عمته تعيشان.
وهنا تبدأ الأحداث في التتابع والاشتعال حتى تتضح كل الأسرار المخبأة منذ سنوات.
وطبعا لن نغفل وجود شخصية شريرة في هذه القصة، شأنها شأن أي قصة أخرى، وهي شخصية الساحر الديناري وابنه فودة الديناري الذي تقلد عرش السحر واستلم من والده مقاليد العهود الشيطانية.
ويعالج الكاتب هنا فكرة : من هي الشخصية الشريرة الحقيقة؟ وهل كان هناك صاحب كرامات حقا!
نقد في الرواية
في الحقيقة لست أدري كيف أحكم على هذه الرواية، فلقد خالجتني جميع المشاعر؛
فقد أحببت الغلاف كثيرا، حتى أنه كان السبب في جذبي لقراءة الرواية والعودة إلى القراءة بعد زمن طويل، وهنا أنبه على مدى أهمية الغلاف في جذب القراء وتعريفهم على المحتوى من خلال صورة، وهو أمر بيد الموهبين فقط. أيضا كان العنوان جذابا لمعرفة ما الذي يكمن خلفه.
ثم كرهت الفصل الأول من الرواية بشدة، وذلك لأنه قد حمل مشهدا مؤلما بتفاصيل مقززة حرفيا، كما أنه احتوى على كلمات تشبه العزائم (التعاويذ) وهو أمر لا أحبه ولا أحبذه، لأنه وإن كان الكاتب يضعها عن دراية بها وجعلها منقوصة حتى لا تضر، ويضعها فقط بهدف إضفاء الواقعية على الأحداث فإنه أمر لا يخلو من المخاطر أيضا، فإنكم لا تعلمون كم المشاكل التي تحدث بعد قراءة أو مشاهدة أو سماع هكذا أمور.
ثم تعلقت بشدة بالأحداث، وتخيلت بطل الرواية على أنه #ياسر_جلال كما جاء في شخصية مسلسله #ظل_الرئيس وبالتالي تخيل جميع تحركاته كانها مسلسل على ورق، وإني أوكد على نجاح الكاتب في رسم تحركات الشخصية في مخيلتك بسلاسة.
كما أحببت طريقة الكاتب الملتوية بوضعك ضمن الأحداث، فها أنت تتوقع وتتخيل مسار الرواية، فيسرح بك الكاتب قليلا لتعتقد أنك فزت بالرهان، ثم يغاير جميع توقعاتك ويصدمك بأمر بعيد عن دميع ما تخيلت.
أيضا وجدت جمالية في السرد والوصف والكلمات ورسم الشخصيات والأحداث وترتيبها، فتارة يضعك الكاتب في الحاضر، ثم يعود بك بعجلة الزمن إلى الوراء، ثم يطرح أرضا ثانية في الحاضر. ثم يسرد لك الأحداث كأحجية عليك ترتيبها ووضع قطعها في مكانها قبل رؤية الصورة النهائية. وإني أرى الكاتب هنا قد تأثر بطرق روايات الألغاز والأكشن، حيث وجدت أسلوبه قريب من أسلوب أجاثا كريستي في تركيب الأحاجي.
وقد كان أجمل ما فعله الكاتب هو إضفاء الواقعية على ما يكتب من خلال الاستشهاد بمواقف وأحداث حقيقية تم توثيقها. وإن كان الكثير مما يسرده معروف بواقعيته لدى الكثير من الأشخاص.
أعجبني عنونة الفصول بالتواريخ والأماكن، ثم وضع فقرة يفتتح بها الكاتب كل فصل من الفصول.
وقد تميز الكاتب حقا وتألقت موهبته في وضعه التفسير والشرح الوافي لجميع الأحداث، حيث غاص في تفاصيل التفاصيل، محاولا (وقد نجح في محاولته) جعلك تعتقد أن كل ما يروي لك حقيقة حدثت بالفعل. وإن نمّ ذلك على شئ فهو وسع مخيلة الكاتب وقدرته على تخيل كل التفاصيل. حيث عانيت مع كثير من الكتّاب في مرحلة إنهاء الرواية التي تفتقد إلى طريقة سرد ناجحة وتفاصيل مقنعة لربط الأحداث بشكل نهائي وإنهاء تلك الحبكة التي نجح في عقدها وربطها، لكنه لم ينجح في فكها في النهاية.
في المقابل.. كرهت العديد من الأمور، مثل بعض السقطات خلال الرواية...
مثلا عدم وجود أحداث كافية عن الساحر فودة وما يفعله، ومشهده الأخير، حيث وجدت أنه يجب أن يكون مشهدا عنيفا ودمويا وقويا.
كما كرهت المشاهد النهائية التي خلت من القوة التي احتوتها الرواية على مدار صفحاتها وسطورها.
بالإضافة إلى بعض السقطات في ربط الأحداث بين الفقرات نفسها، وليس ترتيبها خلال الرواية.
وطبعا السقطة الأقوى كانت بذكر ميزات في الهواتف المحمولة في عام 2005، وهو وقت كانت فيه الهواتف تعتبر بدائية، لم تحمل العديد من الميزات مثل ميزة الاتصال السريع.
هناك أيضا استخدام الكاتب لثلاثة أسماء مكانية لذات المكان وهم: الرحمانية، والعلوانية، وبطن الجبل، على الرغم من توضيح الكاتب منذ البداية بأنها تعود لذات المكان، إلا أنه في كل فصل استخدم اسما منهم وهو ما يجعلك تشعر بأنها أماكن مختلفة.
ميزات الرواية
-قصة مبتكرة من فكرة متعارف عليها
-لغة قوية ومفردات عربية متفردة
سلبيات الرواية
-قد تفتعل صدمة عقائدية لدى البعض بسبب الأفكار، وافتعال الجدال المحتدم حول فكرة التصوف والكرامات وأصحاب الكرامات
وأيضا بين الدين وحقيقة لغز الكرامات في النهاية.
التقييم: 7.5
رواية جميلة تستحق القراءة
أنهيتها في يومين فقط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.