رواية "أتما".. المرض الحقيقي يقبع في خفايا النفس
مقدمة عن رواية أتما
هي إحدى روايات الكاتبة بسمة الخولي، وهي كاتبة ومترجمة مصرية من القاهرة، درست الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية، بالإضافة إلى علم النفس، وهي عضو في اتحاد كتاب مصر.
تصنف الرواية على أنها من أدب الرعب النفسي، جاءت في 278 صفحة، نشرتها الدار المصرية اللبنانية عام 2014.
فكرة الرواية
فكرة الرواية هي فكرة سيكولوجية مميزة وهي "الأتمان -ATMAN" وهي كلمة سنسكريتية الأصل تعني النفس أو الذات الداخلية أو الأنا، أو ما يسميه البعض.. العقل الباطني.
فتناقش الكاتبة من خلال روايتها فكرة اكتشاف الذات وما قد تصل إليه من ألم لا تجد سبيلا للتخلص منه سوى طريقين؛ إما إيذاء النفس والجسد حتى يحصل الشخص على انتقامه ومتعته فيصل إلى الراحة النفسية المنشودة، أو إيذاء الآخرين والانتقام منهم فيحقق انتقامه من الناس بالناس، قد يكونون ذات الأشخاص المتسببين بالأذى، أو قد يمتد الأمر ليشمل أناسا آخرين، فيحققون أعلى درجات المتعة والارتياح الداخلي.
الغلاف:
الغلاف جميل ومعبر عن محتوى الرواية و مرتبط به، فالصورة تعبر عن حالة نفسية متفردة، مغلفة بالرعب والجنون، مظهرها يوحب بجنون القتل، واللون الأحمر يعبر عن تدفق الدماء. والسواد الغالب على الغلاف يوحي بظلمات النفس المخفية التي تخبئ العديد من الأمور التي لا يعلم عنها حتى صاحبها.
تفاصيل الرواية:
تبدأ الكاتبة الرواية بقصة تجعلك بسببها تضرب أخماسا بأسداس، جميلة تلك القصة، تشدك وتجذبك كمغناطيس كبير... كصحراء قاحلة برمالها وكثبانها... لا يوجد واحة، لكنك تستمر بالمسير تريد الوصول إلى مكان ما.
ثم تبدأ الأحداث ... لتقطع النصف الأول من القصة في حالة من الملل، حيث تخلو تلك الصفحات من الأحداث الشيقة سوى الصفحات التي كانت تسرد فيها البطلة تجربتها مع الكوابيس والعالم البرزخي... شأنها شأن العديد من المسلسلات التي تعتمد الإطالة وتسرح بالسرد والوصف ...
وفي هذا الجزء تصف الكاتبة لقاء الطبيب النفسي أحمد بالمريضة النفسية يمنى. ثم تشرح لك الكثير من المواقف والكلمات التي تؤثر بمسار الأحداث، لتعلم لاحقا ما الهدف من كل ذلك الوصف.
ثم يبدأ الجزء الثاني من الرواية، يجعل أنفاسك تتلاحق حتى لا تكاد تترك الرواية، تريد أن تلتهمها حرفيا حتى تنهيها، حتى وإن توقف دماغك عن العمل طالبا ومترجيا منك النوم. حيث تتسارع الأحداث وتتعقد حبكة الرواية أكثر حتى ترسم مئة نهاية فلا يكون منها شئ ... فالكاتبة تقرر اتخاذ طريق آخر مختلفا.
عملت الكاتبة على نفسية البطل بشكل مكثف، حيث تدرجت بمشاعره وتفاعله مع الآخرين، من شخص عادي تتعقد أموره وتكتشف أن كل ما كنت تعتقد أنه تفاصيل صغيرة، كانت حجارة صغيرة تتراكم في ذاته حتى صنعت ماردا من ذلك الشخص العادي جدا والذي يراه الجميع طبيعي.
ثم أنهت الكاتبة أحداث روايتها بطريقة غير متوقعة وذلك يحسب لها. لتنهي اشتباك جميع الخيوط بطريقة فنية مميزة.
وأنهت الكتاب بقصة تشابه القصة التي بدأت بها الرواية حرفيا لكن بطريقة سرد أخرى، تخبرك بها أن النفس تعيش بالأمل واليأس، فإذا سلبت إياهم عاشت السواد الذي يفتك بالجميع.
نقد في الرواية:
تتخذ الكاتبة طريقة سردية ووصفية أقرب للأعمال المترجمة، وإني أرجع ذلك إلى حبها الشديد لقراءة الأعمال الأجنبية واعتيادها على الترجمة.
استمتعت بالرواية إلى حد ما، فالفكرة مميزة ونابعة من صميم سيكولوجية النفس البشرية.
وجدت فيها من العناصر ما تجعلك تواجه نفسك لتحاول اكتشاف النرحلة التي وصلت إليها من الألم، لترى إن كانت ذاتك معرضة لخطر بسبب تراكمات الحياة التي عشتها لم تنتبه إليه سابقا.
لكن ذلك لم يعطني المتعة الكافية ولم يوصلني إلى النشوة الروحية المبتغاة من القراءة؛ فالأحداث لم ترسخ في خلايا دماغي لتتصارع أفكاري مرارا وتكرارا ذهولا من الوصف والأحداث الصادمة فأحتفظ بها في ذاكرتي لوقت أطول، بل انتهيت من الرواية وأغلقت الغلاف ولم استحضر أحداثها لاحقا أبدا، وإن كنت قد تمسكت بها حتى أنهيتها.
أحسست أن الكاتبة كان بمقدورها أن تقدم مناقشة مع الذات بطريقة أعقد من ذلك وأكثر جذبا، وأعلم من خلال كتابات الكاتبة قدرتها على ذلك...
حيث أنه من وجهة نظري أن الجميع يعاني من ألم في الذات، لذلك فالجميع لديه القدرة على فهم الأمر ، لكنه بحاجة إلى التعقيد الأكبر الذي أوصل الأبطال إلى تلك المرحلة... مرحلة اللاعودة.
فمثلا كنت أنتظر وصفا أكثر عمقا للأحداث التي عانت منها يمنى لتصل إلى ذلك الجنون. كما كنت أنتظر وصفا أكثر جنونا للأفكار التي كانت تراود الطبيب أحمد، وليس مجرد كلمات بسيطة يتم تكرارها. فالكتابة السيكولوجية يجب أن تحوي تلك الكلمات الأفكار المعقدة التي تقتحم النفس والجسد وتجعله يغير مساره واعتقاداته، وتجعل القارئ يدرك الرعب النفسي فيسيطر عليه السواد والقتامة وانقباض النفس.
التقييم ٧.٥/١٠
الرواية جميلة ومميزة بفكرتها وتستحق القراءة والتأمل، لكنها لا تحمل أبعادا مؤثرة بالنفس.
أنتهيت من قراءتها خلال ثلاثة أيام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.