فيتامين ب12 من أحد
الفيتامينات الهامة لأجسادنا وخصوصا لصحة جهازنا العصبي والدوراني، و هو مركب
كيميائي طبيعي يحتوي على ذرة من معدن الكوبالت، وذلك سبب تسميته العلمية بـ
(كوبال-أمين). أما الرقم 12 فاستخدم لتمييزه عن باقي أعضاء عائلة فيتامين ب؛ وهي
ثماني أعضاء أساسية بالإضافة إلى أعضاء أخرى قد تصل إلى سبع عشر عضوا، وقد حدث ذلك
قبل اكتشاف التركيب الكيميائي الحقيقي لهذا الفيتامين.
تكمن أهمية هذا الفيتامين بارتباطه
الوثيق بإنتاج خلايا الدم الحمراء و صحة الجهاز العصبي و الدماغ خاصة، بالإضافة
إلى هضم البروتينات والدهون. كما أن هذا الفيتامين مهم في تضاعف الخلايا حيث يلعب
دورا مهما وأساسيا في تضاعف المادة الوراثية (DNA, RNA) بسبب دخوله في تكوين إحدى
القواعد النيتروجينية الأربعة للمادة الوراثية.
يتم إنتاج هذا الفيتامين في الكائنات
الدقيقة (بكتيريا و طحالب)، وقد يتواجد في الماء والتراب، ما يجعله يدخل في نظام
الحيوانات الغذائي و تخزين الفائض منه في أنسجتها خصوصا في الكبد. إن تخزينه في
أنسجة الحيوانات وأكبادها يجعلها مصدرا
هاما ورئيساً لهذا الفيتامين بالنسبة للإنسان. أما النباتات فتعتبر مصدرا فقيرا
لهذا الفيتامين بسبب عدم قدرتها على تخزينه في أنسجتها، كما أن الكمية التي توفرها
النباتات لا تمتص بشكل جيد بالمقارنة مع المصادر الحيوانية. لذا تعتبر اللحوم
الحمراء والبيضاء والكبد والبيض، والحليب ومشتقاته، والسمك والمحار من المصادر
الهامة لفيتامين ب12، بالإضافة إلى الأطعمة التي تحتوي على الخمائر مثل الخبز. أما
مركب ال (سيانوكوبال-أمين) فهو من المركبات الكيميائية المصنعة للأغراض
الصيدلانية.
عند تناول الإنسان لمصادر ب12 فإنها
تتعرض لحموضة المعدة، فيتم تحرير فيتامين ب12 من الغذاء ويتم ارتباطه ببروتينات
سكرية موجودة في إفرازات الغدد اللعابية و المعدة والمسماة (R-binders) لتحمي هذا الفيتامين من التأثير
الحامضي القوي لعصارة المعدة وبالتالي الحفاظ عليه من التفكك والتحلل. ثم ينتقل
إلى الإثني عشر ليتعرض لعصارة البنكرياس التي تحرر فيتامين ب12 من هذه البروتينات
السكرية ليتم ارتباطه ببروتينات سكرية من نوع آخر تسمى (العامل الداخلي) لتسهل
نقله إلى منطقة أخرى من الأمعاء الدقيقة والتي تسمى باللفائفي (Ileum) وهو آخر قسم من الأمعاء الدقيقة؛
حيث يتم امتصاصه عن طريق ارتباطه بالمستقبلات الموجودة على السطح الداخلي له، و من
ثم يتم نقل الفيتامين إلى مجرى الدم.
أسباب نقص فيتامين ب12
يحدث نقص أو
عوز فيتامين ب12 في الجسم عند عدم حصوله على الكمية الكافية من هذا الفيتامين
لفترة طويلة أو عدم قدرة الجسم على إمتصاصه بشكل جيد. و تقدر المستويات الطبيعية
لفيتامين ب12 من 200 إلى 900 بيكوغرام/مل. أما الأشخاص الذين يحدث عندهم عوز
فيتامين ب12 هم: الأشخاص فوق سن الخمسين بسبب عدم قدرتهم على الإمتصاص الجيد
للفيتامين، و الأشخاص الذين يتبعون نظاما غذائيا صارما لا يحتوي غير الخضراوات
(النباتيين) حيث أنهم لا يدخلون مصادر فيتامين ب12 في نظامهم الغذائي، بالإضافة
إلى الأشخاص الذين أجروا عمليات في الجهاز الهضمي كعمليات التخسيس، و من يعاني من
الاضطرابات والأمراض الهضمية، مثل مرض حساسية القمح (السيلياك) والذي يدمر البطانة
المعوية، ومرض (Crohn's disease) وهو نوع آخر من أنواع التهاب الأمعاء. بالإضافة إلى أن النقص
بأنزيمات المعدة الناتجة عن مرض معين، و الضعف في البنكرياس، و السرطانات، كل ذلك
من شأنه إفقاد الجسم قدرته على الامتصاص الصحيح والجيد للفيتامين. أيضا الإستهلاك
المفرط للكحول، واضطرابات الجهاز المناعي مثل مرض الذئبة الحمامية ،وداء جريفيز، و
الإصابة بالبكتيريا الملوية البوابية التي تصيب بطانة المعدة والإثني عشر،
والإصابة بالطفيليات المعوية، واستخدام أدوية المعدة من نوع مثبطات مضخة البروتون
واستعمال المضادات الحيوية لمدة طويلة من شأنه التسبب في إفقاد قدرة الجسم على
امتصاص الفيتامين.
أعراض عوز فيتامين ب12
و لعوز فيتامين ب12 سلسلة من الأعراض،
يكون سببها إما خلل في خلايا الدم الحمراء أو خلل في الخلايا العصبية. من هذه
الأعراض: فقر الدم؛ والذي يكون بظهور خلايا الدم الحمراء ذات حجم كبير بالمقارنة
مع الخلايا الطبيعية (Macrocytic)، أو بظهور خلايا الدم الحمراء مختلفة و متباينة في الحجم وتسمى (Anisocytosis). أما فقر الدم الذي تظهر فيه
خلايا الدم الحمراء متضخمة غير ناضجة بسبب خلل في المادة الوراثية (Megaloblastic) فذلك يتسبب
به نقص فيتامين ب12 وحده أو نقص فيتامين ب12 و حمض الفوليك معاً، لكن يجب حدوث نقص في كلا المادتين لتظهر
الأعراض.
أيضا من
أعراض عوز فيتامين ب12 في الحالات المتقدمة؛ خلل في نقل الأكسجين من الرئتين
لخلايا الجسم، و خلل في التوازن، و خدر و وخز في الذراعين والساقين، و رعشة في
الجسم، والترنح عند المشي، و التعب العام، و الاكتئاب، و ضعف في الذاكرة، وصداع، و
احمرار الجلد، و تساقط الشعر، و ضعف المناعة، و اضطرابات النوم، و خلل في الدورة
الشهرية عند النساء، وعدم انتظام ضربات القلب، و ظهور الشعر على الوجه، وعدم
انتظام نبضات القلب والتنفس، و شحوب الوجه، و نزيف اللثة، و الإسهال أو الإمساك، و
ألم في العضلات، و الحاجة المتكررة لإفراغ المثانة، و ضعف في حواس السمع والبصر
والذوق والشم، والشحوب واصفرار اللون، والتصبغات الجلدية خصوصا لأصحاب
البشرة الداكنة، وتقرح اللسان وتضخمه، وقصر في النفس.
كيفية تشخيص
فيتامين ب12
يتم تشخيص الإنسان بالإصابة بعوز
فيتامين ب12 عن طريق تحاليل الدم، حيث يتم إجراء فحص مجهري و فحص كيميائي وفحص
ميكانيكي لعينة الدم؛ ففي الفحص المجهري تظهر كريات الدم الحمراء عند المصاب كبيرة
الحجم (Macrocytic) ومتباينة في الحجم (Anisocytosis) بالمقارنة مع الخلايا الطبيعية، و احتواء كريات الدم على نواة الخلية
وهو أمر غير طبيعي يدل على عدم وصول كريات الدم الحمراء إلى مرحلة النضج. بالإضافة
إلى وجود نقص في كريات الدم البيضاء و نقص في الصفائح الدموية.
أما في الفحص الميكانيكي وهو فحص العد
الكامل لخلايا الدم (CBC) فيتم عد خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، وقياس
تصبغ الدم (بروتين الهيموغلوبين) المسؤول عن قوة الدم، وحساب بعض المعاملات تبعا
لعدد وحجم الخلايا الحمراء.
أما في الفحص الكيميائي فيتم فحص مستوى
تركيز فيتامين ب12 في الدم الذي يجب أن لا يقل عن 200 بيكوغرام/مل للشخص البالغ.
أما فحص نواتج عملية الأيض (الهضم) التي تتراكم في حالة عوز فيتامين ب12 مثل حمض
الميثيل مالونيك والهوموسيستين، أو قياس البروتين الناقل المسمى بـ (HoloTC) الذي يرتبط بالفيتامين بشكله
النشط لينقله للخلايا المستهدفة -وهو فحص ذو حساسية عالية ونتيجة فعالة في المعرفة
المبكرة للإصابة بسوء امتصاص فيتامين ب12- فهي فحوصات
مكلفة.
أيضا هناك فحص يدعى اختبار شيلينغ
والذي يتم اجراؤه للتحقق من قيام الجسم بامتصاص فيتامين ب12 بطريقة سليمة بعد
معناة المريض من فقر دم غير مبرر، مرفقا بالعثور على مستويات منخفضة من الفيتامين
ب12 في الدم.
و بالرغم من
تعدد الفحوصات لتشخيص الإصابة بعوز فيتامين ب12 إلا أن الفحوصات المخبرية المتبعة
على نطاق واسع في التشخيص هي الفحص المجهري والفحص الكيميائي بقياس مستويات
فيتامين ب12، أما الفحوصات الأخرى فتطلب لمعرفة السبب في نقص فيتامين ب12 لدى
المريض وذلك غير شائع.
طرق علاج عوز فيتامين ب12
يكون علاج وعوز فيتامين ب12 بـ 3 طرق
تبعا للسبب الذي أدى إلى الإصابة بالعوز وهي:
الطريقة الطبيعية وتكون عن طريق وضع
برنامج غذائي صحي مدروس لتناول الأطعمة التي تحتوي على فيتامين ب12 والتي قد
ذكرتها سابقا، وهذه الطريقة في العلاج تلائم الأشخاص النباتيين. أما الطريقة
الثانية فهي عن طريق تناول الحبوب (الكبسولات) المدعمة لفيتامين ب12، وهي طريقة
ملائمة لمن لا يعانون من مشاكل امتصاص فيتامين ب12 في القناة الهضمية. أما بالنسبة
للأشخاص المصابين بأمراض في القناة الهضمية والتي تكلمنا عنها سابقا فهي طريقة غير
مفيدة. و أما الطريقة الثالثة وهي الطريقة المتبعة حاليا على نطاق واسع في علاج
العوز والنقص الحاد في الفيتامين هي استخدام حقن فيتامين ب12 في العضل، وهي طريقة
مفيدة في علاج جميع الأشخاص مهما كان المسبب لديهم، ويكون الحقن إما يوما بعد يوم
أو مرة كل أسبوع تبعا لتركيز الفيتامين المستخدم و وصف الطبيب. أما في حالة تلف
الأعصاب فلن تفيد العقاقير التي تحوي على فيتامين ب12، لأن تلف الأعصاب لا يعوض
إلا بنمو خلايا عصبية أخرى بدلا عنها، وهو أمر لا يحدث، حيث أن هذه الخلايا غير
متجددة، لكن قد يفيد العلاج باستخدام الخلايا الجذعية.
أما العقاقير المستخدمة في علاج العوز
فتحتوي على إحدى المركبات التالية: هيدروكسو كوبال-أمين (Hydroxocobalamine)، أو ميثيل كوبال-أمين (Methylcobalamine)، أو سيانو كوبال-أمين (Cyanocobalamine). كما يفضل أن يرافق هذا العلاج تناول
عقاقير أخرى تحتوي على الحديد والفوليك أسيد بشكل أساسي، وفيتامين سي وفيتامينات ب
الأخرى لأنها تساعد على امتصاص فيتامين ب12.
ولأن
الفيتامينات هي نبض حياتنا، وبدونها لا تكتمل لنا صحة أو عافية، يجب أن نتأكد من
حصولنا على الكمية الكافية والمصادر الغذائية الصحيحة في نظامنا الغذائي، وأن نعوض
خسائرنا من الفيتامينات بالعقاقير الصيدلانية ذات الفيتامينات المتعددة أو ذات
الفيتامين الواحد تبعا لنصائح الطبيب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.