وجاء اليوم الذي توفي به أبي..
جلست مع نفسي كثيرا حزينة تأكلني الوحدة والفراغ الذي تركه شخص عزيز
وبعدها بأيام كنت أصلي العشاء فخطر لي قراءتها، فبدأت: "والضحى، والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى" فوقعت هذه الآية في نفسي كأن ربي يخاطبني فاعتصر قلبي
ثم استمريت: "ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى"
فبكيت كثيرا لأني شعرت فعلا بمحادثة ربي لي من خلال الآيات الكريمة وكأنها كلمات لي وحدي لا يشاركني فيها أحد
بعدها أحببت هذه السورة كثيرا، وكثيرا ما رددتها
إلى أن جاء يوم كانت فيه هذه السورة إحدى مواضيع مادة اللغة العربية في الجامعة
وجاءنا الدكتور بتفسير ابن قطب من كتابه (في ظلال القرآن) لكلمات هذه السورة الكريمة الذي احتوى تفسيرا مليئا بالمشاعر، يصف كل كلمة وصفا دقيقا
فقال:
"هذه السورة بموضوعها، وتعبيرها، ومشاهدها، وظلالها وإيقاعها، لسمة من حنان، ونسمة من رحمة. وطائف من ود. ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع، وتنسم بالروْح والرضى والأمل. وتسكب البرد والطمأنينة واليقين.".......
"يقسم الله سبحانه بهذين الآنين الرائقين الموحيين (وقت الضحى ووقت ظلمة الليل ووحشته). فيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس. ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي، المتعاطف مع كل حي. فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود، غير موحش ولا غريب فيه فريد.. وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه. فظل الأنس هو المراد مده. وكأنما يوحي الله لرسوله صلى الله عليه وسلم منذ مطلع السورة، أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود، وأنه من ثم غير مجفوّ فيه ولا فريد!".......
"وبعد هذا الإيحاء الكوني يجيء التوكيد المباشر: {ما ودعك ربك وما قلى}.. ما تركك ربك ولا جفاك كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك.. وهو {ربك} وأنت عبده المنسوب إليه، المضاف إلى ربوبيته، وهو راعيك وكافلك..
وما غاض معين فضله وفيض عطائه. فإن لك عنده في الآخرة من الحسنى خيراً مما يعطيك منها في الدنيا: {وللآخرة خير لك من الأولى}.. فهو الخير أولاً وأخيراً..
وإنه ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك، وإزاحة العقبات من طريقك، وغلبة منهجك، وظهور حقك.. وهي الأمور التي كانت تشغل باله صلى الله عليه وسلم وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد.. والشماتة.. {ولسوف يعطيك ربك فترضى}.." ......
وكم أثر في قلبي حين قرأت التفسير للآية (وللآخرة خير لك من الأولى) حيث كنت أظن أن الله يتحدث أن النهاية للمؤمن أفضل من الدنيا,.... لكن جاءتني البشرى بأن معنى الآية أن نهاية كل أمر نمر فيه هو خير من بدايته... وأن الله لن ينساني من رحمته يوما (ما ودعك ربك وما قلى) وقد وعدني الله حين قال (ولسوف يعطيك ربك فترضى)
فبكيت بكاء من وجد الأحضان الدافئة بعد صقيع الوحدة الموحشة
ومنذ ذلك الوقت أقرأها وأبكي.. ففي كل مرة تلامس موقفا في حياتي
حين أكون في قمة ضعفي
وحين أكون في قمة نجاحي
في حياتنا الكثير مما تجعلنا الدنيا نضيع وقتنا فيه قلقين وحذرين وحريصين
لكن حقيقة الأمر أن أمرنا كله بيد الله يجعله كله خيرا
رحم الله سيد قطب على اجتهاده في التفسير، وذكر الله بخير ذلك الدكتور الذي شرح الآيات بطريقة ولا أجمل....
بل كان نعم الأستاذ في تلك المادة... كنت محظوظة به
#مجلة_أفنان #أفنان_زعيتر #سيد_قطب #في_ظلال_القرآن #و_لسوف_يعطيك_ربك_فترضى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.