إعلان رأس الصفحة

الأربعاء، 2 مارس 2016

فيتامين د.. إشراقة الشمس على الحياة

فيتامين د Vitamin D هو مركب كيميائي هام جدا لبنية أجسادنا وقوتها، ولا يعرف قيمة هذا المركب إلا من يعاني من نقصه. وقد تم الكشف عن معاناة عدد كبير من سكان الوطن العربي من ظاهرة نقص هذا الفيتامين خاصة الإناث لأسباب لم تكشف بعد. ويسمى نقص فيتامين د كما باقي أمراض العظام بالمرض الصامت، حيث يقوم بالتطور والتوغل في الجسد بدون أن نشعر به، و لا يتم اكتشافه إلا بالصدفة.

الشكل الكيميائي الفضائي لمركب فيتامين د

يطلق العلماء على فيتامين د لقب الهرمون البدائي Prohormone، لانتمائه إلى المركبات السيكوستيرويدية Secosteroids الشبيهة بمركبات الستيرويدات Steroids التي تدخل في تصنيع الهرمونات في الجسم، بالإضافة إلى تنظيمه العديد من العمليات التي تتم داخل أجسادنا.

يندرج تحت مسمى فيتامين د خمسة أصناف وهي: Vitamin D1، Vitamin D2، Vitamin D3، Vitamin D4، Vitamin D5، يختلف كل منها عن الآخر بشكله وطريقة نشأته. أهم هذه الأنواع هي: (Vitamin D2) المسمى ايرجوكالسيفيرول Ergocalciferol  وهو الصنف الذي تصنعه الخمائر والنباتات و (Vitamin D3) المسمى كوليكالسيفيرول Cholecalciferol وهو الصنف الذي يصنع في أجسادنا و الصنف، لكن Vitamin D3 هو الأكثر أهمية للبشر بسبب قابليته العالية على ارتباطه بالمستقبلات الموجودة في جسم الأنسان، بنظرية القفل والمفتاح التي تعبر عن التلاؤم بين شكل المركب الكيميائي و شكل المستقبل الموجود في الخلايا ليتم الارتباط بينهما وبالتالي إتمام التفاعل الكيميائي.

أحدى أهم خواص فيتامين د هي ذوابانه في الدهون Fat soluble، يصنع بالأصل من الكولسترول Cholesterol الموجود في الطبقة الأولى من الجلد المسماة باسم Epidermis  المكونة من خمس طبقات يطلق على كل منها اسم ستراتام stratum. و يكثر انتاج فيتامين د في الطبقتين الرابعة والخامسة المسماة ب: ستراتام بيزالstratum basale  و ستراتام سبينوزام  stratum spinosum وهما الأقرب للطبقة الداخليه من الجلد المسماة ب: ديرمس Dermis.

يتم انتاج فيتامين د 3 (Vitamine D3) في طبقات الجلد هذه عند تعرضها للأشعة فوق البنفسجية الطويلة، ذات طول يتراوح بين 290nm و320nm  الناتجة عن الشمس، لذا من الضروري التعرض يوميا لأشعة الشمس عند الصباح لمدة 10-20 دقيقة، حيث يتحول المركب 7-ديهايدروكوليسترول  7-dehydrocholesterol بقوة الأشعة فوق البنفسجية إلى كوليكالسيفيرول Cholecalciferol (Vitamin D3) ليجري مع الدم إلى الكبد حيث يتجمع مع الكميات الأخرى من فيتامين د2  وفيتامين د3 القادمة من الغذاء ليتم تحويله إلى هيدروكسي فيتامين د 3 (25-Hydroxyvitamin D3) أي فيتامين د مؤكسد، لينتقل مرة أخرى مع الدم إلى الكليتين حيث يتم تحويله إلى داي هيدروكسي فيتامين د3 (1,25-Dihydroxyvitamin D3)، أي فيتامين د مؤكسد مرتين، وهنا يصبح لدى فيتامين د مجموعتان من الهيدروكسي OH وهنا يكون قد تم تنشيط فيتامين د وقد أصبح جاهزا لأداء مهامه.

بعد النظر والـتأمل بدورة تصنيع هذا الفيتامين المهم نستنتج أن مسببات نقصه تكمن في عدم التعرض لأشعة الشمس بطريقة صحيحة، وعدم تناول الأغذية الغنية بهذا الفيتامين، وأيضا حدوث خلل في الكبد أو الكليتين يعيق امتصاص هذا الفيتامين أو تحويله إلى الشكل الفعال؛ بمعنى آخر حدوث خلل في دورة تصنيعه.

يلعب فيتامين د دورا هاما في الحفاظ على توازن العمليات الحيوية في الجسم المحافظة على الوزن و مستويات الكالسيوم والفسفور في الجسم، عن طريق التحكم بامتصاصهما في الأمعاء، وبالتالي المحافظة على صحة العظام، و تعزيز جهاز المناعة، وتخفيف الحساسية، والمحافظة على صحة الجهاز العصبي – العضلي و قوة العضلات خصوصا عضلة القلب، والحماية من بعض أنواع السرطانات بالإضافة إلى بعض الأمراض الأخرى. لذا عند نقص هذا الفيتامين في الجسم تظهر عدة أعراض، منها ظاهرية ومنها باطنية.

أولى هذه الأعراض وأهمها هي زيادة في إفراز الهرمون الجار درقي Parathyroid Hormone الذي تفرزه الغدة الجار درقية Parathyroid Gland. تعمل الغدة الجار درقية بالتعاون مع فيتامين د على تنظيم مستويات الكالسيوم والفسفور في الجسم، فالجسم يحتاجهما ليس فقط لتكوين العظام، بل إنه مهم في عمل الجهاز العصبي والجهاز العضلي، لذا حين يقل فيتامين د في الجسم يقل مستوى الكالسيوم وبالتالي يزيد افراز الهرمون الجار درقي لتعويض النقص الحاصل في مستوى الكالسيوم وهنا تكمن الخطورة، حيث ان هذا الهرمون يقوم يتعويض النقص في الكالسيوم عن طريق تحرير جزيئات الكالسيوم الموجودة في العظام مما يؤدي الى هشاشة العظام. كما يتحكم أيضا هرمون الجار درقية بمستويات الفسفور بالدم، فعند زيادة هذا الهرمون في الجسم، يتخلص الجسم من عنصر الفسفور الموجود في الدم عن طريق تقليل إعادة امتصاصه في الكلى وزيادة إفرازه في البول، وبالتالي نقص إمداد الجسم بالطاقة التي يحتاجها للقيام بعمليات الأيض. كل هذا يتسبب بالتعب العام والإرهاق وأيضا أمراض العظام بسبب نقص العنصر الفعال بتثبيت الكالسيوم في النسيج العظمي.

العرض الثاني هو أمراض العظام التي ترتكز بشكل أساسي على الهشاشه وهي: مرض Osteomalacia الذي يتميز بكون العظام لينة وطرية، و مرض Osteoporosis الذي يتميز بكون العظام مليئة بالثقوب نتيجة خسارة الكالسيوم، مرض Rickets وهو مرض الكساح الذي يصيب الأطفال. تزيد فرص الكسور العظمية في هذه الأمراض وتزيد أيضا صعوبة الشفاء من هذه الكسور.

العرض الثالث هو عدم القدرة على تحويل المواد الأيضية المكتسبة إلى المواد التي يحتاجها الجسم وهو ما يسمى ب أفيتامينوسيز Avitaminosis، ومن ذلك عدم القدرة على تحويل الحمض الأميني تربتوفان Tryptophan إلى نياسين (فيتامين ب3) Niacin (Vitamin B3).

الأعراض الأخرى هي: الاكتئاب Depression، أمراض القلب والسكتة القلبية وارتفاع ضغط الدم، السكري؛ النوع الأول (نقص إفراز الأنسولين)، والنوع الثاني (مقاومة الأنسولين)، ويشيع ظهور النوع الثاني في حالة نقص فيتامين د. بالإضافة إلى أمراض المناعة الذاتية (الروماتيزم والتصلب المتعدد)، وعدم انتظام في النوم، و خلل في الوزن (من زيادة أو خسران حسب الحالة)، و بعض أنواع السرطانات خصوصا سرطانات الثدي والبروستات، و تقلب المزاج والبكاء من دون سبب، و آلآم في عظام أسفل الظهر والرسغ والقدمين، و سقوط الشعر، و أمراض جلدية (أكزيما Eczema، بثور (Acne، و التهابات في الجيوب الانفية، وتكسر في الاظافر والأسنان، وأيضا تكيسات على المبايض في الإناث وفشل قلبي وخلل في مستويات أنزيمات Renin-Angiotensis المسؤولان عن تنظيم عمل الكليتين.

كيف نستطيع تعويض نقص فيتامين د3؟ يكون ذلك بالتعرض لأشعة الشمس في فترات الصباح الباكر والمساء حوالي 10-20 دقيقة يوميا بدون واقي شمس، ويكون ذوي البشرة السمراء بحاجة للتعرض لأشعة الشمس مدة أطول  بسبب وجود مادة الميلانين التي تحمي أجسادهم من الأشعة فوق البنفسجية. أيضا أخذ جرعات دوائية مهم للأشخاص الذين يعانون من تقص هذا الفيتامين حيث أظهرت الدراسات الحديثة ان الجسم يحتاج إلى فيتامين د كمكمل غذائي 3000–4000 IU وحدة دولية في اليوم بدون اي آثار مؤذية وقد تصل الجرعة أحيانا الى 7,000 IU في اليوم الواحد، أو 50,000 IU مرة في الأسبوع حسب حاجة الجسم وحسب نقص تركيزه في الجسم. أما الجرعة اليومية الموصى بها للناس الأصحاء فهي من 400 إلى 600 IU. أما بالنسبة إلى الأشخاص الكبار في السن فجرعة 800 IU يومية من فيتامين د كافية لحمايتهم من الكسور غير المتعلقة بالعمود الفقري. ويكون الحصول على الجرعة اليومية للأصحاء أو دعم الجرعة اليومية للذين يعانون من نقصه عن طريق الغذاء، فتناول السمك يمد الجسد بنسبة عالية من هذا الفيتامين خصوصا سمك التونا والسلمون. أيضا صفار البيض و الحبوب و الحليب ومشتقات الحليب يحتوون على فيتامين د3 لكن بنسب قليلة. بالإضافة إلى أن الكبسولات الصيدلانية لزيت كبد الحوت وزيت السمك تحوي جرعات مفيده من فيتامين د.

إن إمداد الجسم بفيتامين د لوحده غير كاف لإصلاح الخلل في الجسم، فكم شخص تناول جرعات من الفيتامين وصلت لتركيزات عالية ولفترات طويلة ولم يحصل على النتيجة المرجوة، ففيتامين د يحتاج إلى عناصر داعمة أخرى، منها فيتامين ك (Vitamin K) الذي يساعد في المحافظة على مستويات الكالسيوم في الحد المطلوب، و الزنك Zinc الذي يساعد فيتامين د على الارتباط مع مستقبلاته، وعنصر البورون Boron الذي يساعد في التخفيف من أعراض نقص فيتامين د، و عنصر المغنيسيوم Magnesium الذي يعتبر أهم العناصر حيث أنه يساعد في امتصاصه عبر تحويله من شكله الخامل إلى شكله النشط، كما يخفف من سميته في الجسم؛ أي أعراضه الجانبية. و يعد الصداع والأرق أو عدم جودة  النوم و الإمساك و الغضب السريع والتوتر والتشنجات العضلية و تسارع دقات القلب من الآثار العرضية لزيادة الجرعة الدوائية من فيتامين د. أما فيتامين د 2 فيمكن الحصول عليه من المأكولات النباتية مثل فطر المشروم.

أما السؤال الذي يدور في الأذهان الآن هو، كيف يمكن لنا أن نكتشف أن لدينا نقصا في فيتامين د؟ الحل يكمن في إجراء بعض الفحوص المخبرية: أولها إجراء فحص لمستوى فيتامين د في الدم  25-hydroxyvitamin D أو 25(OH)D، ثم  فحص لمستوى هرمون الجار درقي PTH، وأخيرا فحص لمستويات الكالسيوم والفسفور في الدم. يجب الأخذ بعين الإعتبار أن مجرد إجراء فحص لمستوى فيتامين د في الدم غير كاف للجزم بحدوث نقصه لذا يتوجب القيام بالفحوصات الأخرى أيضا للتأكد.

الفيتامينات عبارة عن عناصر دقيقة وصغيرة جدا نستخف بها ولا نلتفت لأهميتها، لكنها مهمة لأجسادنا، فبدونها لا تستمر الحياة بشكل عادي وتكون سببا خفيا في حدوث أمراض خطيرة، لذا علينا بثقافة الغذاء والدواء حتى نتعلم الإعتناء بأنفسنا.


7:54 م / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة