إنه مرض غريب
ومعقد، له خواص التلون والتقلب ويتخذ مسار
الإنتكاس والتحول. ما معنى هذا الكلام؟! أدرك أنكم لم تفهموا تماما ما أعنيه،
لكنكم ستفهمون ما أعني جليا حين تكملون قراءة المقال. لكني أود القول في البداية
أنه من الرائع أن يقرأ الإنسان ويتثقف، لكن بدون أن يأخذ الكلام ويطابقه فورا على
نفسه. نكتب لكم المقالات الصحية لتصبحوا أكثر وعيا وإدراكا، حتى إذا ما صادفتم ما
يثير الشكوك اتجهتم فورا للطبيب المختص و المختبر الطبي للاطمئنان، فتمنعوا حدوث
تفاقم الإصابة بالمرض لإهمال مراجعة الطبيب. أقول هذا الكلام لإدراكي بوجود من
لديه وساوس تقنعه بإصابته بأي مرض يقرأ عنه، فيبدأ بأخذ الأدوية والعقاقير على جهل
منه وذلك قمة في الخطأ. لذا أنوه وبشدة ألا يربط أحدكم ما لديه من أعراض بأي مرض
نتكلم عنه دون فحوصات مخبرية واستشارة طبية من ذوي العلم والاختصاص.
الإسم و معناه:
الآن سأحدثكم عن
هذا المرض العجيب، وسأبدأ بحديثي عن اسمه وسبب تسميته. يطلق على هذا المرض اسم (الذئبة
الحمامية الجهازية)، أو (الذئبة الحمامية المجموعية) أو (الذئبة الحمراء الجهازية)
أو (الذئبة الحمراء) أو (الذؤاب الحمامي). و يطلق عليه باللغة الإنجليزية (Systemic Lupus Erythematosus) و يرمز له بـ (SLE).
قد قيل أن سبب تسمية المرض بـ (Systemic) لأن المرض يصيب
أجهزة الجسم ويتنقل فيما بينها، وهذا ما يعنيه الإسم بالعربية (مجموعي أو جهازي).
أما (Lupus) فهي كلمة لاتينية تعني الذئب.
وقد استخدمت لوصف الشبه بين شكل الطفح على الوجه و شكل الفرو على وجه
الذئب، أو لوصف التشابه الكبير بين شكل الطفح و عضة الذئب؛ فهي خشنة و منقطة
وموزعة كما تظهر أسنان الذئب بعد العضة، أو لوصف الشبه بين شكل الطفح على الوجه و
قناع الذئب ذو الطراز الفرنسي الذي كانت النساء يلسبنه لإخفاء الطفح على وجوههن،
وهو ما كان يسمى باللغة الفرنسية (Loup) أي الذئب. لكني أقول أنه يستحق فعلا لقب الذئب
وبجدارة لمباغتته المتكررة لأجهزة الجسم مرارا و تكرار بشكل خبيث ومخفي. وبالرغم
من ذلك يتم فعليا الآن وصف الطفح بشكل الفراشة. و أما كلمة (Erythematosus)، فهي أيضا أصلها
لاتيني وتعني اللون الأحمر، و قد استخدمت لوصف لون الطفح الأحمر القاني.
تعريف المرض:
عرف هذا المرض منذ القرن الثالث عشر، وقد سمي باسمه المعروف حاليا منذ ذلك
الوقت. وقد عرف أنه مرض مزمن عضال؛ أي لا يتم شفاؤه كليا لكن يمكن معالجة أعراضه
لحماية أعضاء الجسم من التلف. و هو مرض غير معدٍ يصيب الجسم على فترات يشتعل فيها
الجسم كنيران متوهجة بسبب الإلتهابات التي يحدثها، ويطلق على هذه الفترات نوبات
التوهج أو الإشتعال (Flare). و يعتبر هذا المرض من أمراض المناعة الذاتية؛ حيث يحدث اختلال
مناعي في الجسم، ويصبح الجهاز المناعي عدائيا اتجاه خلايا الجسد نفسه، فيقوم
بتصنيع أجسام مضادة غير قادرة على التفرقة بين الجراثيم والأجسام الغريبة و خلايا
الجسم. يصيب هذا المرض أي شخص مهما كان لون بشرته، ومهما كان عمره. لكن أظهرت
الدراسات أنه يظهر لدى النساء بشكل أكبر من الرجال بنسبة 90%، و أنه يغلب ظهوره في
سن الإنجاب، وهو ما دعا العلماء للاعتقاد بأن للهرمونات، خصوصا هرمون الأستروجين،
دور فعال في تحفيز المرض.
أسباب حدوث المرض:
يعتقد أن سببه هو تفاعل بين الجينات و العوامل البيئية. فمثلا الإصابة
بالحمى الراشحة، أو البثور الخمجية العضوية، أو بعض العقاقير (فقد يظهر كأثر جانبي
لأحد العقاقير التالية: (hydralazine) يستخدم لارتفاع ضغط الدم،
و ((quinidine و (procainamide) يستخدم لضبط ضربات القلب
غير الطبيعية، و (phenytoin) يستخدم
للصرع، ((Isoniazid و (Laniazid) يستخدم لمرض السل، و
(d-Penicillamine) يستخدم
لالتهابات المفاصل)، و التعرض لفترة طويلة لأشعة الشمس المباشرة، و التعرض للأشعة
فوق البنفسجية، أو الإصابة بفيروسات معينة، هي عوامل كفيلة بتحفيز الجينات
المسؤولة عن نشاط المرض. وقد أظهرت الدراسات ان الارتباط الوراثي مع المرض غير جلي
في جين واحد، بل بنشاط مجموعة من الجينات
تعمل في آن واحد بعد تحفيزها عن طريق العوامل البيئية. ويعتقد أن الجينات الأكثر
أهمية توجد في منطقة على الكروموسوم رقم 6 تدعى بمنطقة مستضد الخلايا البيض
البشرية (human
leukocyte antigen-HLA) حيث تحدث الطفرات
بشكل عشوائي أو قد تكون موجودة قبل ذلك وتورث. كما تدل بعض الدراسات إلى زيادة
احتمالية الإصابة بالمرض مع ظهور حالات جديدة أكثر في الأسر التي يوجد مصاب بالمرض
بين أفرادها. يجدر بالذكر أن تحفيز المرض بالعقاقير الآنف ذكرها يعد نادرا (حوالي
5% فقط) وأن المصاب يستعيد حالته الطبيعية بمجرد الإنقطاع عن تناول الدواء.
التشخيص و الأعراض:
و يعتبر مرض
الذئبة الحمراء من الأمراض التي تصيب الأجهزة الضامة (Connective tissues)، لذا تتداخل أعراضه
وتشخيصه مع أمراض أخرى مثل مرض تصلب الجلد
(Scleroderma)، ومرض الإلتهاب
الجلدي العضلي (Dermatomyositis)، ومرض التهاب المفاصل الرثوي (Rheumatoid arthritis) وهو ما يجعل تشخيص
مرض الذئبة معقد جدا. قد يؤثر هذا المرض على أي عضو في الجسم، لكن لكن تغلب اصابته
للجلد والمفاصل والكليتين. وقد تم تسجيل الجلد كأكثر عضو يتأثر بالمرض بنسبة 70-80% من الحالات. حيث تظهر الإصابة الجلدية
بهذا المرض على شكل بثور وتقرحات مع أو بدون طفح جلدي. ولأن هذا المرض ذو أعراض
متعددة، ويجول متنقلا بين الأعضاء، فقد يستغرق تشخيصه سنوات عديدة، وقد يتم تشخيصه
بأمراض أخرى قبل الوصول إلى التشخيص الصحيح.
لتشخيص هذا المرض
المعقد يتم اللجوء للبحث في التاريخ المرضي للمصاب عن الأعراض التالية، و التي
يختلف عددها و حدتها من شخص إلى آخر تبعا للطور المرضي الذي وصل إليه المصاب بهذا
المرض (أولي، متوسط، متقدم).
1.
الطفح الجلدي، و الذي يعد من أهم أعراض المرض. ويظهر الطفح الجلدي على الأشكال
الآتية:
* شكل الفراشة (butterfly rash)؛ و يظهر على جذع الأنف
والخدين. ويتفاقم هذا الطفح بالتعرض
لأشعة الشمس.
*شكل القرص (discoid rash)؛ و يظهر كبقع حمراء قرصية على الوجنتين و
الأنف و الأذنين والصدر والظهر و في أعلى الذراعين والقدمين.
2.
الحساسية لضوء الشمس (Photosensitivity)؛ حيث يتأثر الجلد المعرض لأشعة الشمس للإحمرار
والانتفاخ ومظهر الجلد المحروق.
3.
التهاب المفاصل (Arthritis) ويكون أغلب الإصابة بمفصل الرسغ واليد و الكوع والركبة، كما يمكن
أن يتنقل الألم من مفصل لآخر.
4.
تقرحات
فموية أو أنفية (Sores and Ulcers)، وقد تؤدي القرح الأنفية إلى نزيف الأنف.
5.
فقدان الشعر بدون أسباب واضحة.
6.
الشعور بالإجهاد.
7.
اعتلالات في الجهاز اللمفاوي؛ حيث تتضخم الغدد اللمفاوية في منطقة
العنق على الأغلب.
8.
اعتلالات في الكليتين؛ حيث يعاني تقريبا نصف المصابين بمرض الذئبة الحمراء
من تطور التهابات كلوية تسمى بالتهابات الكلوية الذئبية (Lupus nephritis) قد تؤدي إلى فشل كلوي. و يكون ارتفاع نسبة
البروتين في البول و تورم القدمين والرجلين وارتفاع ضغط الدم من مؤشرات اختلال عمل
الكليتين.
9.
وجود أجسام مضادة في الدم، مثل الأجسام المضادة للحمض النووي
الرايبوزي منقوص الاكسجين (Anti-DNA)، و الذي يمكن الإعتماد
على قياسه بشكل متكرر لقياس نشاط المرض، حيث يدل ارتفاع نسبتها على نشاطه. و الأجسام
المضادة لأنوية الخلايا (Anti-nuclear
antibody-ANA)، والأجسام المضادة للبروتينات التي ترتبط
بالحامض النووي الرايبوزي (RNA) و التي تسمى بـ (Anti-Sm). و وجود الأجسام المضادة
للدهون الفسفورية (Antiphospholipid
antibody).
10. اعتلالات دموية؛ كفقر الدم
بنقصان عدد الكريات الحمراء (Anemia) نتيجة تكسرها وتحللها مما يؤدي إلى نقص في إمداد خلايا الجسم
بالأكسجين (فكريات الدم الحمراء هي المسؤولة عن نقل الأكسجين لكافة خلايا الجسم
وتخليصه من ثاني أكسيد الكربون) وبالتالي إحداث صعوبة بالتنفس. أيضا قد يحدث انخفاض
في أعداد أنواع معينة من خلايا الدم البيضاء، و ارتفاع معدل ترسب خلايا الدم الحمراء (Erythrocyte sedimentation rate-ESR). كما ان تكسر الصفائح الدموية هو وارد الحدوث، وهو ما يتسبب
بحدوث كدمات ونزيف في أجزاء مختلفة من الجسم (تحت الجلد، أو الرحم أو المخ أو
الجهاز البولي أو الجهاز الهضمي).
11. التهابات في الرئتين والأغشية
المحيطة بها والأغشية المبطنة للتجويف الصدري. فيغلب على المصاب بالذئبة الحمراء
السعال وضيق التنفس وآلآم في الصدر تحدث عند التنفس بعمق. تؤدي هذه الإلتهابات إلى
تراكم السوائل في الرئتين، و التهاب غشاء الجنب (Pleuritis) الذي يبطن الحلق ويحيط بالرئتين، والإلتهابات الرئوية (pneumonitis) والإنصمام
الرئوي (pulmonary emboli).
12. التهابات في الأغشية المحيطة
بالقلب، كإلتهاب الغشاء التاموري (pericarditis)، أو حتى التهاب العضلة
القلبية نفسها (myocarditis). كما
قد يحدث خلل في نبضات القلب (Arrythmias)، أو عدم قدرة القلب على ضخ الدم بشكل جيد (Heart failure)، أو خثرات تتكون في
الأوعية الدموية، أو حتى الموت الفجائي.
13. اعتلالات في الجهاز العصبي
والدماغ؛ حيث يعاني المصاب من ألم غير اعتيادي ودائم في الدماغ كالصداع والنوبات، وقد
يحدث ضعف في الذاكرة، وتغيرات في الشخصية، و التشوش الذهني؛ أي الذهان (psychosis).
14. اعتلالات في العيون؛ حيث
يعاني المصاب من تلف الأعصاب والأوعية الدموية في العينين، مما يؤدي إلى جفاف
وانتفاخ العينين وزيادة الحساسية للضوء، وضعف البصر، وقد يؤدي إلى العمى في حال
التهابات الأوعية الدموية المغذية لشبكية العين.
15. اعتلالات الجهاز الهضمي؛ فقد
تؤدي الذئبة إلى التهاب الغشاء الصفاقي أو البريتوني (peritonitis)، وحدوث التهابات في البنكرياس والقولون و الكبد،
مما يتسبب بحدوث قيء وغثيان وآلآم بطن متكررة ومستمرة والتهابات في المثانة و ظهور
الدم في البول.
16. تغيرات
في الدورة الدموية في أصابع اليدين والقدمين
وطرف الأنف؛ حيث يعاني المصاب بداء الذئبة الحمراء من تحول لون الأصابع إلى الأبيض
أو الأزرق مع التعرض لحالات للبرد أو حالات التوتر، وذلك بسبب تقلصات أو تشنجات في
الأوعية الدموية الصغيرة في تلك المناطق، وهذا ما يسمى بظاهرة رينود (Raynaud’s phenomenon) التي ترتبط بشكل وثيق بمرض الذئبة.
- اعتلالات في الجهاز
التناسلي؛ حيث تعاني المرأة المصابة بالذئبة الحمراء من مشاكل في الخصوبة، والإجهاض
المتكرر.
وقد اعتمد الأطباء المختصون بالروماتيزم وأمراض المفاصل ومن ضمنهم الكلية
الأمريكية لأمراض الروماتيزم (American College of Rheumatology-ACR) في تشخيصهم الذئبة
الحمراء على سياسة وجود أربع أعراض فقط من الإحدى عشر عرضا التالية ليكون الشخص
مصابا بمرض الذئبة الحمراء: الطفح الجلدي بنوعيه، والحساسية للضوء، والتقرحات
الفموية، والتهاب المفاصل، و التهابات الأغشية الرئوية والقلبية، والتهابات الكلى
بالإعتماد على وجود الزلال و الرواسب في البول، و نوبات الصداع والذهان، و فقر
الدم ونقص في أعداد بعض أنواع الخلايا البيضاء الدموية، ووجود الأجسام المضادة
للحامض النووي، ووجود الأجسام المضادة لأنوية الخلايا. بالمقابل، قام مجلس مؤتمر
التعاون الدولي للذئبة الجهازية (Systemic Lupus International Collaborating Clinics (SLICC) group) بتعديل هذه السياسة في التشخيص لتكون الفحوصات المخبرية للأنسجة و
للأجسام المضادة في الدم ركزا أساسيا في تشخيص هذا المرض.
الفحوصات المخبرية:
بعد تقييم
الأعراض الظاهرة، يلجأ الأطباء إلى الفحوصات المخبرية. فيتم طلب إجراء بضعا من هذه
الفحوصات. فيتم طلب فحوصات روتينية، وعلى أساس نتائجها يتم طلب فحوصات أكثر تخصصا
بالمرض و أغلى ثمنا. وبناء على نتائج هذه الفحوصات والأعراض الظاهرة يتم طلب صور
اشعاعية لتقييم الحالة المرضية. كما
أن التحاليل الروتينية للدم والبول تساعد على تقييم ونشاط حدة المرض ومدى استجابة
المريض للعلاج.
- فحص تعداد الدم (CBC). يعطي تعدادا لخلايا الدم بأنواعها والصفائح
الدموية، وقوة الدم (تخضب الدم) ويعطي حسابات معينة تشير إلى مدى صحة هذه
الخلايا. و يظهر وجود فقر الدم
التحللي (تكسر خلايا الدم الحمراء)، أو انخفاض في عدد خلايا الدم البيضاء
(خصوصا انخفاض عدد الخلايا اللمفاوية)، أو انخفاض عدد الصفائح الدموية.
- فحص سرعة ترسب خلايا الدم الحمراء (ESR)، وفحص
بروتين سي التفاعلي (CPR)، وهما
يشيران إلى وجود التهابات داخلية في الجسم.
- و فحص البول المجهري الذي
يشير إلى اعتلالات الجهاز البولي من خلال وجود خلايا دموية في البول، أو وجود
بروتينات أو الأسطوانات الكلوية (أشكال مجهرية ليس من الطبيعي تواجدها في
البول).
- فحص وظائف الكلى (في حالة المرض يرتفع الكرياتينين واليوريا في الدم) وفحص وظائف الكبد (ترتفع أنزيمات الكبد في حالة المرض).
- فحص نسبة البروتين إلى الكرياتينين في البول (Spot protein/spot creatinine ratio) وهو فحص يدل على مدى صحة الكليتين.
- الفحوصات المناعية. يعتبر فحص الأجسام المضادة لأنوية الخلايا و فحص الأجسام المضادة للمادة الوراثية إحدى الفحوصات الشائعة لتشخيص مرض الذئبة الحمراء. حيث تم وجود الأجسام المضادة (ANA) في أكثر من 98% من الناس المصابة بمرض الذئبة، لكن بالمقابل بعض المرضى يكون لديهم هذه الأجسام المضادة في أجسادهم بالرغم من عدم إصابتهم بهذا المرض. بينما هناك آخرين تكون نتيجة فحصهم لهذه الاجسام المضادة سلبية بالرغم من إصابتهم بمرض الذئبة. وهذا ما يسمى بمدى حساسية و خصوصية الفحص للمرض. ويتم قياس (Anti-DNA) بشكل متكرر لقياس نشاط المرض كل شهر إلى كل ثلاثة شهور حسب الحالة المرضية. أيضا هناك فحص (Anti-Sm)، و فحص (Antiphospholipid antibody). ويجدر بالذكر أن الأجسام المضادة (Antiphospholipid antibody) تتسبب بإعطاء نتيجة موجبة كاذبة للفحص المصلي لمرض السيفلس (syphilis) نظرا لوجود هذه الأجسام المضادة في كلا الحالتين المرضيتين. لذا يجب أجراء فحص مجهري للتأكد من الإصابة بمرض السيفلس قبل البت فيه.
§
أيضا هناك فحص يسمى بفحص خلايا الذئبة
الحمراء (lupus erythematosus cell preparation-LE prep). و يكون هذا الفحص موجب في حوالي 70-80 % من الأشخاص المصابين
بهذا المرض. ويتم اجراء هذا الفحص بأخذ عينة من دم المريض، وحصد أنوية الخلايا
الدموية داخل المختبر، ومن ثم يتم إجراء بعض التفاعلات بين أنوية خلايا المريض و
الأجسام المضادة و من ثم خلايا الدم البيضاء من المريض نفسه ليتم إثابت وجود نوع معين من خلايا الدم
البيضاء التي تقوم بالتهام وبلع أنوية الخلايا التي تم تدميرها داخل الجسم، و تكون
إما الخلايا العدلة أو الخلايا البالعة (neutrophil or macrophage).
طرق العلاج:
أعلم أنكم في
فضول شديد لمعرفة كيفية علاج هذا المرض الخطير. هنا أقول أن هناك نوعين من
المعالجة؛ المعالجة بالعقاقير، والمعالجة بالبدائل. لكن كلا العلاجين لا يقضيان
على المرض، لكن يمكنهما إيقاف الإلتهاب الذي يحدثه المرض، وبالتالي التخلص من
أعراض المرض المؤلمة، وحماية أعضاء الجسم من التلف نتيجة استمرار الإلتهاب. سأبدأ
بالمعالجة بالعقاقيرن والتي تنقسم إلى ثلاث أقسام تبعا للطور والمستوى الذي وصل
إليه المرض، وهي:
1.
العلاج بالعقاقير اللاستيرويدية المضادة للالتهاب
(Nonsteroidal anti-inflammatory
drugs-NSAIDs) مثل (Ibuprofen) و الأسبرين. حيث يساعد هذا النوع من
العقاقير في التخلص من الآلآم الخفيفة في العضلات والمفاصل. و يفضل استخدام
الأسبرين في حالة ارتفاع الأجسام المضادة للدهون الفسفورية. لكن من سيئات هذه العقاقير أنها تؤثر على الجدار الداخلي للمعدة و
وتتسبب بتغيرات في وظائف الكلي والكبد.
2.
العلاج بالعقاقير المضادة للملاريا (Antimalarial
drugs-Hydroxychloroquine). حيث أن العقاقير المستخدمة في علاج الملاريا تساعد في علاج الطفح
الجلدي و آلام المفاصل. لكن من سيئات هذه العقاقير أنها قد تتسبب باضطرابات في
المعدة و تدمير في شبكية العين في بعض الاحيان.
3.
العلاج بالعقاقير الستيرويدية (Corticosteroids) أي الكورتيزون. و يستخدم هذا العلاج كمضاد للالتهابات الخطيرة المصاحبة للمرض كما هو
الحال في الإلتهابات الكلوية و التهابات الأغشية القلبية أو التهابات الجهاز
العصبي. لكن لهذه العقاقير آثار جانبية
عديدة عند استخدامها لمدة طويلة منها:
زيادة الوزن، و اكتساب الكدمات بسهولة، هشاشة العظام (osteoporosis)، ضغط دم عالي، الإصابة بالسكري، وزيادة مخاطر
العدوى بالجراثيم خصوصا السل والجدري (لذا يجدر الإنتباه للأطفال ممن يتلقون علاج
الكورتيزون)، والتسبب بكسل الغدد الكظرية فلا تعود لإنتاج الكورتيزون في الجسم
بشكل طبيعي وبكمية كافية مما يعرض الإنسان للخطر. لذا لا يستخدم هذا النوع من العلاج إلا في
الحالات الخطيرة أو الحادة من مرض الذئبة الحمراء. كما يجب مراعاة تخفيض جرعة
الدواء تدريجيا قبل تخفيض الجرعة أو إيقاف تناوله.
4.
العلاج بالمثبطات المناعية مثل (azathioprine and cyclophosphamide). حيث أن العقاقير التي تثبط نشاط الجهاز المناعي قد تساعد في الحالات الحرجة أو النشطة من مرض الذئبة،
أو في الحالات التي لا تستجيب للكورتيزون، أو في حالات الإصابة الشديدة للكلى، فهو
أصلا مرض مناعي، واستخدام هذه العقاقير توقف مهاجمة الجسم لنفسه. لكن الآثار
الجانبية لهذه الأدوية قد تتضمن زيادة خطر الإصابة بعدوى ما أو تدمير الكبد، أو
تقليل الخصوبة و زيادة مخاطر الإصابة بالسرطان.
5.
العلاج بأدوية متعددة للحالات الجلدية المتعلقة بمرض الذئبة.
6.
أية عقاقير أخرى يتم استخدامها في علاج
أعراض معينة مثل تخثر الدم، و الإضطراب
الذهني، و الفشل الكلوي.
7. العلاج البيولوجي. وهي أدوية تمنع تصنيع الأجسام المضادة التي تنشط
خلال المرض. أو عن طريق زراعة الخلايا الجذعية لمعالجة الجهاز المناعي. لكن هذه
العلاجات ما زالت قيد الدراسة السريرية.
أعلم أنكم قد
عانيتم كثيرا جراء القراءة فقط لهذه الأنواع من العقاقير المخيفة، لكن هذا هو طريق
العلاج بالعقاقير مخيف على الدوام. والآن سأطرح عليكم الطريقة البديلة للعلاج.
ويكون العلاج البديل لهذه العقاقير قادرا على تخفيض الخلايا (LE) التي تكلمنا عنها
سابقا في قسم الفحوصات، و بالتالي التخفيف من الأعراض المرضية وإيقف حدوث
الإلتهابات. هذه الطرق هي:
1.
أخذ قسط جيد من الراحة والنوم.
2.
ممارسة الرياضة.
3.
الوخز بالإبر والتدليك للتخفيف من آلآم
المفاصل والعضلات.
4.
ممارسة التأمل و اليوغا والتنويم
المغناطيسي. وذلك للتحكم والسيطرة على النفس والإمتناع الكلي عن التوتر الذي يتسبب
برفع مستويات المرض والإضرار بالمصاب.
5.
اتباع نظام تغذية يعتمد على أكل أصناف
الطعام كاملة مع تخفيض كمية اللحوم الحمراء و مشتقات الألبان للتقليل من دورها في
رفع حدة الألم والإلتهاب، و الإبتعاد عن المأكولات التي تتسبب بالتحسس (كالقمح و
الصويا والسكريات)، حيث أن لذلك الدور الأول في رفع حدة المرض.
6.
ادخال السمك الغني بدهون الأوميجا-3 في
قائمة الغذاء؛ كأسماك السردين و الماكريل (الإسقمري) والسلمون.
7.
تناول المكملات الغذائية الممثلة بفيتامينات
B، و C، و E، و A، و الزنك،
والسيلينيوم، والمغنيسيوم، و العناصر المعدنية الأخرى. حيث يحسن فيتامين A من الطفح القرصي على
الجلد.
8.
المعالجة بالروائح العطرية تساعد بشكل فعال
وجيد في تحسين المزاج السئ للمصاب و وإدخاله في حالة راحة نفسية.
9.
الإبتعاد عن أشعة الشمس المباشرة و حتى غير
المباشرة في الجو الغائم لوجود الأشعة فوق البنفسجية التي تؤثر على جلد المصاب، و اتخاذ
ملابس طويلة تغطي أنحاء الجسد حين الخروج.
10.
الابتعاد عن مصادر الضوء التي قد تتسبب
بحدوث الالتهابات، فقد تم تسجيل اصابات لأطفال تعرضوا لمصابيح النيون (الفلورسنت) أو مصابيح الهالوجين، أو
حتى شاشات الكمبيوتر.
11.
مراقبة ظهور أعراض تهيج المرض (حمى، صداع،
تعب، طفح) وأخذ العلاج المناسب فورا لمنع تهيج المرض أو على الأقل التخفيف من
حدته.
12.
الابتعاد كليا عن حبوب منع الحمل، فهذه
الحبوب تحوي هرمون الأستروجين الذي يزيد من تفاقم المرض وزيادة نسبة احتمالية حدوث
تجلطات.
13.
الابتعاد عن التدخين. فهو يعمل عن زيادة
نسبة حدوث تجلطات.
14.
تناول الأعشاب الطبيعية والعقاقير النباتية
لما لها من تأثير نافع في إيقاف الإلتهاب وتحسين أداء الجهاز المناعي وإزالة
السموم من الجسد. كنت قد وجدت أثناء بحثي عن هذا الموضوع بعضا من المواقع التي
تنصح باستخدام بعضا من الأعشاب لمداواة داء الذئبة الحمراء، لكني لم أنقلها لكم
لعدم درايتي الكافية بماهية بعضها، وما مدى صحة تأثيرها على المرض. لكن بشكل عام،
يجمع فيما بين كل ما ذكر من أعشاب وجود مركبات الفينول والفلافونويدات التي كتبت
لكم عنها في العدد 76، و هي فعليا مركبات أثبت العلم قوتها كمضاد للالتهابات
والجراثيم.
الحمل ومرض الذئبة:
يتسبب مرض الذئبة بحدوث إجهاض للجنين خلال
الأشهر الأولى من الحمل، لكن كثيرا من النساء المصابات بمرض الذئبة استطعن الحصول
على حمل ناجح بنسبة 80%، و أنجبن أطفالا أصحاء. يجدر بالذكر احتمالية إنتقال بعض
الأجسام المضادة من الحامل للطفل خلال الولادة، مما يتسبب بظهور طفح جلدي على جلد
الطفل، لكنه غير مخيف فغالبا ما يزول مع الوقت.
لكن من قد يصادف المخاطر فعليا هي المرأة
الحامل. فقد يظهر عليها المرض للمرة الأولى خلال الحمل، وقد تعاني من نشاط المرض
خلال الحمل إن كانت قد ظهرت عليها الإصابة بمرض الذئبة قبل الحمل، فيؤثر على أجزاء
جسدها أثناء الحمل أو الفترة التي تلي الولادة. لذا يجب على المريضة اتخاذ كافة
الاحتياطات؛ من تجنب الحمل أثناء نشاط المرض و ألا يتم الحمل إلا بعد فترة من ركود
المرض، وأن تخضع المريضة للمتابعة الدقيقة أثناء الحمل. و قد أثبتت الدراسات أن
أغلب حالات الحمل لدى مريضات الذئبة سارت بشكل طبيعي و ولادة طبيعية عندما خضعت
للمتابعة والعلاج اللازمين.
من الأعراض
الشائعة في الحمل الطبيعي: تورم اليدين والقدمين، ألم وعدم ارتياح في المفاصل
خصوصا في أسفل الظهر، ضيق في التنفس تبعا لازاحة الحجاب الحاجز لتوفير مكان
للجنين، و تغييرات في الجلد، و اضطرابات في النوم، ومشاكل هضمية، و فقدان عام
للشعر أو ترقق الشعر، و حمرة الحمل أو توهج وردي على وجه الحامل بسبب زيادة تدفق
الدم خلال الحمل. لكن الأعراض المختلفة عما ذكر هي ما قد تشير إلى حدوث مشاكل
أثناء الحمل وهي: الحمى، و الطفح الجلدي على شكل فراشة على الخدين والانف، و فقدان
الشعر، وألم في الصدر ومشاكل في التنفس.
تجدر
الإشارة إلى أنه في ظل التقدم العلمي وزيادة وعي المرضى فإن صورة المرض ليست
بالقتامة التي يراها البعض وأن كثيرا من المرضى يمارسون حياة طبيعية مثل غيرهم.
كما أن هناك العديد من مراكز الأبحاث الطبية التي تولي اهتمامها بهذا المرض والعمل
بشكل مكثف على إيجاد بدائل علاجية مناسبة، منها ما قد تم اعتماده في المملكة
العربية السعودية ويتم تجربته سريريا.
و ككلمة
أخيرة، إن الإيمان و المعنويات المرتفعة، وممارسة التمارين الرياضية المناسبة
والإبتعاد عن التوتر، هي عناصر أساسية في العلاج. فالأمراض المناعية بشكل عام
تتأثر بشكل كبير بالحالة النفسية حيث يتفاقم المرض وينشط عند تعرض المريض للتوتر. كما
أن مراجعة طبيب مختص ذو حكمة ودراية و اتباع وصفاته العلاجية المناسبة ونصائحه هو
أمر مهم جدا في كبح جماح المرض بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.