كم منا اعتاد أكل الشوكولا والحلويات بشكل يومي،
و اعتاد شرب المشروبات المحلاة بالسكر؟ كثير من الناس يتخذون من السكر عنصرا
رئيسيا في برنامجهم الغذائي، لكن الإفراط في هذه العادة له توابع لا يحمد عقباها؛
حيث يصاب هؤلاء الأشخاص بالسمنة والبدانة، والسكري والضغط وأمراض القلب. في هذه
المقالة سأختص بالحديث عن مرض مقاومة الأنسولين الذي يسبق مرض السكري النوع
الثاني.
سأبدا الحديث عن الأنسولين (Insulin)، و هو أحد هرمونات
الجسم، تفرزه خلايا بيتا المنتشرة في غدة
البنكرياس (Pancreas)
على شكل عناقيد تسمى جزر لانجرهانز (Islets of Langerhans)
التي تمثل الغدة الصماء في البنكرياس. ينظم الأنسولين أيض الكربوهيدرات والدهون في
الجسم، فهو يحفز خلايا العضلات و الكبد و الأنسجة الدهنية على امتصاص الجلوكوز من
الدم و نقله إلى الخلايا لتزويدها بالطاقة أو ليتم تخزينه في الكبد على شكل
جليكوجين (Glycogen)
أو في الخلايا الدهنية على شكل دهون ثلاثية (Triglyceride).
و لأن الأنسولين له علاقة قوية بتنظيم مستويات
السكر في الدم، لذا يعتبر الركيزة الأساسية في مرض السكري. فمرض السكري بناء على
هرمون الأنسولين ينقسم إلى نوعين: النوع الأول هو عدم قدرة خلايا بيتا في
البنكرياس على إنتاج الأنسولين؛ أي أن الأنسولين غير موجود، أما النوع الثاني فهو
عدم قدرة مستقبلات الأنسولين على سطح الخلايا المستهدفة (خلايا العضلات والكبد و
الأنسجة الدهنية) على الإرتباط بهرمون الأنسولين؛ أي أن الأنسولين موجود لكنه غير
فعال.
مرض السكري من النوع الثاني لا يحدث بشكل فجائي،
بل يسبقه أعواما من الإصابة بمقاومة الأنسولين التي تزداد تدريجيا إلى أن يحدث مرض
السكري في عمر متقدم. فتبدأ مقاومة الأنسولين بعدم قدرة المستقبلات على الخلايا
على الإرتباط بهرمون الأنسولين، وبالتالي عدم قدرته على العمل بشكل فعال، هنا يقوم
البنكرياس بإنتاج المزيد والمزيد من الأنسولين، وبالتالي زيادة تركيزه في الدم فيما
يسمى بظاهرة فرط الأنسولين، وتستمر هذه الظاهرة حتى يفقد البنكرياس قدرته على
إنتاج كميات كافية من الأنسولين لتلبي احتياجات الجسم وبالتالي زيادة السكر في
الدم فيما يسمى بظاهرة فرط السكر.
عند هذه المرحلة ترتبط مستويات الأنسولين
المرتفعة مع البدانة عند الخصر والبطن، ومستويات غير طبيعية للكولسترول، و زيادة
ضغط الدم، وعند حدوث هذه الأعراض الثلاثة في الوقت نفسه يطلق على هذه الحالة
بمتلازمة الأيض (Metabolic
Syndrome). من الأعراض الأخرى لمقاومة الأنسولين: عدم القدرة
على التركيز، و زيادة الوزن الناتج عن
زيادة الكولسترول والدهون الثلاثية و تخزينها في منطقة البطن عند كل من الرجال
والنساء، و صعوبة في خسارة الوزن الزائد، و هبوط عام في الجسم، والإحساس الدائم
بالجوع والتعب بعد تناول الوجبات، و حدوث تكيسات
على المبايض عند الإناث مما يؤثر على هرموناتها الأنثوية؛ فيكثر الشعر في مناطق
غير شائعة عند الإناث كمنطقة الشارب واللحية ومنتصف الصدر و البطن، كما تتسبب
التكيسات في حدوث اضطراب في الدورة الطمثية من حيث موعدها أو كميتها، وكل ذلك بسبب
ارتفاع مستوى هرمون التستوستيرون الذكري (Testosteron). أيضا تتسبب مقاومة
الأنسولين برتفع مستوى الدهون الثلاثية في الدم، و الدخول في حالة اكتئاب نظرا
للاختلال الحاصل في عملية التمثيل الغذائي والهضم، وعدم الإحساس بالشبع، و الإنتفاخ
المعوي؛ حيث تنتج معظم الغازات المعوية من هضم الكربوهيدرات الموجودة في النظام
الغذائي. على المدى الطويل، قد تتسبب مقاومة الأنسولين بزيادة نسبة التعرض للإصابة
بأمراض القلب. كما أن مقاومة الأنسولين قد ترتبط بظروف صحية أخرى؛ كتصلب الشرايين،
و تشحم الكبد، و انتشار علامات غير طبيعية على الجلد تتمثل بالثآليل أو بقع داكنة
منتشرة على الجلد.
أما عن أسباب حدوث مقاومة الأنسولين هي العوامل
الوراثية بالمرتبة الأولى وحدوث طفرات في الجينات المسؤولة عن تصنيع المستقبلات
الموجودة على أسطح الخلايا. كما تتسبب السمنة والتوتر والحمل، كما تتسبب بعض
الأدوية بإحداث هذا الخلل. بالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن دور فيتامين دال الهام
في تحمل السكر وزيادة حساسية المستقبلات على الخلايا لهرمون الأنسولين.
يتم الكشف عن مقاومة الأنسولين بالكشف السريري
مقرونا بالفحص المخبري المسمى بفحص مقاومة الأنسولين (Glucose Tolerance Test-GTT) والمتمثل بأخذ أربع عينات من الدم بعد صيام
8-12 ساعة عن الأكل والشرب، حيث تؤخذ أولى العينات فور وصول المريض للمختبر، ثم
يتم إعطاءه محلول مكون من 70 غم من الجلوكوز والماء، ثم يتم أخذ العينة الثانية
بعد نصف ساعة، والعينة الثالثة يتم أخذها بعد مضي تمام الساعة من شرب المحلول، أما
العينة الرابعة فتؤخذ بعد ساعتين. ويتم قياس مستويات السكر والأنسولين في العينات
الأربع ليتم معرفة علاقة الأنسولين والسكر في حالة الصيام وبعد أخذ السكر. الشائع
في هذا الفحص هو قياس مستويات السكر فقط بدون الأنسولين، لكن ذلك يعطي انطباعا عن
تعامل الجسم مع السكر فقط و تأكيد الإصابة بمرض السكري، بينما قياس الأنسولين مع
السكر يوضح حالة مقاومة الأنسولين. وقد
يستعيض بعض الأطباء عن هذه الفحص بفحص (Fasting Blood Sugar) المترافق مع الأنسولين،
حيث يتم أخذ عينة واحدة من الدم بعد صيام 12 ساعة ويقاس فيها مستوى السكر ومستوى
الأنسولين، ثم تعرف النتيجة عند الطبيب عندما يقارن نتيجة المريض مع رسم بياني
ليتم تحديد درجة مقاومة الأنسولين بالتحديد.
يتمثل
علاج مقاومة الأنسولين بتقليل احتياج الجسم لزيادة إنتاج الأنسولين، وزيادة حساسية
مستقبلات الخلايا للارتباط به. بالمقام الأول يجب إنقاص الوزن الزائد باتباع
برنامج غذائي طبي و القيام بالتمارين الرياضية بشكل مستمر ومنتظم، حيث أثبتت
الدراسات أن ذلك يخفض الإصابة بالسكري بنسبة 58%. ثم يأتي تناول الدواء بالمقام
الثاني؛ حيث
يعطى المصاب بمقاومة الأنسولين أدوية مثل ميتفورمين (Metformin)، تساهم على
عدة اصعدة بتخفيف حدة مقاومة الأنسولين، منها: منع الكبد من إرسال السكر إلى الدم
مرة أخرى، ويزيد حساسية المستقبلات الموجودة على الخلايا العضلية والخلايا الدهنية
للأنسولين. وقد أثبتت الدراسات أن تناول هذا الدواء قد ساعد على تخفيض نسبة
الإصابة بمرض السكري بنسبة 31%. و قد أوصت به الجمعية الأمريكية للسكري على أنه
الدواء الوحيد الآمن و القادر على منع الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني. كما
أنه من الممكن استعمال الأدوية التي تضعف امتصاص السكر للجسم، مما يقلل من احتياج
الجسم لزيادة انتاجه من الأنسولين.
صحتنا ثمينة جدا، فلنبذل بعض الجهد في الحفاظ
عليها، فبدلا من الوقوع في هكذا مرض وتعريض حياتنا للخطر، قليل من الإهتمام يغنينا
عن المرور في هكذا تجربة. ولو حصل و وقعنا بها، فقليل من الاهتمام قد يساعدنا على
تعدي هذه المرحلة بنجاح واسترداد عافيتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.