يلعب المدراء الدور الأول
والأبرز في دفع الموظف الكفء لترك عمله بدلا من استثمار طاقاته ومساعدته على تنمية
خبراته وتوظيف آرائه ومقترحاته لتطوير العمل في المؤسسة.. هذا ما اتفقت عليه آراء
الكثيرون.
ويعود ذلك لجهل الموظف بعض
المدراء وتعصبهم لرأيهم، أو لخوفهم على مراكزهم من الموظفين المتميزين.
من جانب آخر، قد يسهم تضخم
الأنا لدى شريحة من الموظفين الأكفاء بالاغترار بأنفسهم، والظن بأن المؤسسة قائمة
عليهم، أو أنهم لا يحظون بما يستحقون من تقدير، مما يبعث فيهم الإحساس بالظلم
يتعذر معه بناء علاقات جيدة مع زملائهم ورؤسائهم في العمل مما يجعلهم في حالة صدام
دائم ينتهي في الغالب بترك العمل.
فما الأسباب التي دعت
المدير أو الموظف إلى ذلك؟ وما الأمور التي يعاني منها الموظف الكفء والتي تتسبب
في تركه لعمله؟
د. أكرم العقيلي، أخصائي مختبرات طبية،
يقول:إن الأسباب الرئيسية لترك الموظف الكفء لعمله هي: أن بيئة العمل غير الصحية،
و الإدارة السيئة التي تفتقد لمفهوم القيادة والنجاح بطريقة روح العمل الجماعي
ومشاركة الآراء بدلا من فرضها، وضعف إدارة شؤون الموظفين باختيار المعايير الصحيحة
لعملية التوظيف وتقييم الأداء، ووضع برامج وخطط محددة لعملية التدريب والتطوير
والتأهيل، وتغيب السعي الجاد لحل مشاكل الموظف العملية والمالية بطريقة حيادية أياً
كان موقعه في المؤسسة.
وتكون الحلول لهذه المشاكل بإيجاد نظام داخلي فعال
يكفل حقوق الموظف الإنسانية والعقائدية والقومية مع احترام وتقبل الآخر، وتكريم
الموظف أو عقابه على أدائه وليس اعتمادا على جنسه أو لونه أو عرقه، وإيجاد نظام
قوي لمنع تفشي العنصرية والشللية. والأهم من ذلك إيجاد معايير تكفل حقوق الموظف من
الإدارة السيئة بتقييم أداء عمل المدراء ونجاحهم من خلال ما حققوه من تطوير
موظفيهم وبناء قادة يمكنهم خلق فارق في مستقبل الشركة من بعدهم.
ولا ننسى أنه يوجد دائما حل بديل عن تسريح الموظف،
وذلك باستثمار نقاط قوته ونقله إلى قسم آخر بناء على ما يتمتع به من خبرات وموهبة،
وتدريبه للحصول على أفضل ما لديه.
عادل خالد، محرر ومترجم أول،
يقول:إنني الموظف العربي الوحيد في الشركة، لذا أعاني دائما من التآمروالعنصرية من
قبل الآخرين في العمل، وسوء تعاملهم ونكرانهم لإنجازاتي دون اي تقدير مادي أو كلمة
طيبة، والإدارة تساندهم في ذلك. ولم يتغير شيء بعد جلوسي إليهم للتحدث بالموضوع.
بالمقابل، يزداد ضغط العمل دون أدنى فائدة مع ازدياد سوء حالتي النفسية.
وإن استمرار الوضع على ما هو عليه سيقودني حتما إلى
ترك العمل. ورغم تضرر الشركة من ذلك، سيتم تدارك الأمر آجلا عند تعيين شخص آخر،
علماً بأن الاستثمار في الشخص يوفر الكثير على الشركة ويجنبها الخسائر.
صائب محمود، مساعد مدير مشروع،
يقول: إن استقالة الموظف سببها عدم تقدير الشركة للجهود التي يبذلها لمصلحة العمل
وتطويره. فمثلا؛ بالرغم من الربح المتواصل للشركة إلا أنها تنسى الموظف من
الزيادات السنوية والمكافآت. وبالإضافة إلى ذلك سوء معاملة المدير المباشر للموظف وعدم
تقديره لما قدمه، فيبادره بالكلمات السيئة والتوبيخ وإنكار جهده في العمل حتى لا
يطالب بأي علاوة أو مكافأة، أو من الممكن أن يكون السبب شعورهبتفوق ذلك الموظف
عليه وخشيته من فقدان منصبه.
إن أفضل الحلول لذلك هو أن تقوم الشركة بعمل نظام
مراقبة لنشاط كل الموظفين، وأن لا يتم الاعتماد فقط على التقرير الذي يقدمه المدير
المباشر فقط، بل أن تتوفر طرق تقييم أخرى. وأما ترك الموظف للعمل، فإنه لن يؤثر
على سير العمل في حال وجود نظام داخلي قوي للشركة، فيتم ترتيب الصلاحيات والموظف
البديل بسرعة، إلا في حال العشوائية في العمل. ولن يهتم المدير المباشر لمصلحة
العمل، فجُلّ اهتمامه هو منصبه الذي يخاف فقدانه، فيقوم برفض كل ما هو صادر عن
الموظف الجيد، مما قد يجبر الموظف على ترك عمله.
محمد فرج، مدير علاقات عامة،
يقول: إن التقييم السيء للموظف وعدم تحفيزه، والاستمرار بالضغط عليه بتسليمه
المهام الصعبة لإنجازها دون تقدير لجهده لقاء وعود واهية بتحسين الوضع، و
المدير المتسلط، الذي يتحكم بمصائر الموظفين تبعا لهواه، لا قياسا لكفاءة الموظف و
إنتاجيته، كلها من أسباب دفع الموظف للاستقالة. فقد يلجأ المدير لإكراه الموظف على
ترك العمل؛ بسوء المعاملة أو التسريح لمطالبته بزيادة الراتب أو الترقية، أو بسبب
المصالح الشخصية، فتبدأ سلسلة من الخصومات وخفض الراتب، أو عدم صرفه. وللأسف،
يصادق صاحب العمل على قرارات المدير دون منح الموظف فرصة الدفاع عن نفسه لأنه خالف
مديره، وإن كان هناك ضررا للشركة بهذا القرار. وبالطبع لا يمكن نسيان المؤثر
الأكبر في قرارات أي مؤسسة اتجاه أي موظف؛ ناقل الأخبار (العصفورة)، الذي يلقى
استحسان جميع المدراء رغم قلة إنتاجيته، لعلمهم أنه غير أهلٍ للمنافسة، فيسعى
للحصول على رضا المدير بإخباره بكل التفاصيل الغائبة عنه. هذه الشخصية هي من تلقى
الاستحسان وتكون جديرة بالعلاوات، وحتى الترقية بالمنصب.
وأضاف: إنغياب إدارة الموارد
البشرية و دورها الكبير في صياغة الأداء الوظيفي والمحافظة على أداء أفراد الكيان
الوظيفي الواحد، واقتصار دورها على التعيين والفصل أحد أهم الأسباب في عشوائية سير
العمل. ولو اهتمت دائرة الموارد البشرية بوضع خطة مستقبلية للشركة وتحسين أداء
موظفيها من خلال الدورات وتبادل الخبرات والمعلومات فسنحصل على جيل جديد ذو كفاءة
ودراسة، يتحمل مسؤولية العمل ويستطيع ملء موقع الموظف المستقيل، فمن المعروف أن
تبادل المعلومات بين الموظفين ليس بالأمر الهيّن، فسياسة منع المعلومة عن الموظفين
الآخرين سلوك مُتّبع لدى العديدينخشية تحولهملمنافسين، رغم الآثار السلبية لهذا
السلوك على سير العمل ومستواه.
د. بلال شنيكات، أستاذ مساعدفي كلية
إدارة الاعمال، يقول: تتسبب بيئة العمل؛ كالعلاقة السيئة مع المدير والزملاء،والشعور
بأن الأجر المدفوع دون الجهد المبذول، بالإضافة إلى الظروف المحيطة؛ كالفرص
المتاحة في السوق للحصول على فرصة عمل أفضل، باستقالة الموظف المتميز.
وتستطيع المؤسساتأن تجد حلولا متعددة للقضاء على هذه
الظاهرة من خلال العمل على تحسين أجواء العمل و تخفيف حدة الصراع بين الموظفين
والمشرفين والمدراء، وتشجيع العاملين المميزين على الاستمرار بتقديرهم ماديا
ومعنويا، وتخفيف ضغط العمل بالقيام بتصميم برنامج العمل الذي يناسب الموظفين ولا
يقلل من إنتاجية المؤسسة،مما يعطي العاملين المميزين مرونة أكثر في إدارة الوقت
والتقليل من ضغط العمل.
ففي حال استقالة أو تسريح
الموظف الكفء من المؤسسة، فإن أداءها و ميزتها التنافسية سيتأثران حتماً. وقد قال
عالم الإدارة المشهور "جيفري فيفر" أن الشركات ذات الأداء العالي هي
أفضل من باقي المنافسين فقط لأنها فازت في حرب الحصول والحفاظ على الموظفين
الموهوبين.
ويلجأ المدير والزملاء
للحرب مع الموظف الكفء لخسارته بالتسريح أو الإكراه على الاستقالة بسبب إثباته
لنشاطه وقدرته الذهنية على تطوير العمل، فهم يرونه تهديدا لمصالحهم لأنه أهلٌ
للحصول على الترقيات المادية السريعة أو تحولهإلى مدير بعد فترة. فتبدأ المحاولاتبإقناعه
بالسير في نفس الطريق الذي يسلكونه، فإن فشلوا في ذلك ورفض فإنهم يحاولون التخلص
منه بأي وسيلة كانت، دون أن يتم عقاب هؤلاء الموظفين.
مأمون علي اللواما، مدير تكنولوجيا
المعلومات والدراسات، يقول: إن قسم الموارد البشرية أهم أقسام الشركة أو المؤسسة،
وتبرز مهمته في إنجاح المؤسسة باستقطاب وتوظيف الكفاءات والمتميزين لما يمتلكونه
من خبرات ومهارات تؤهلهم لتطوير العمل وتميزهم عن غيرهم في إدارة واستثمار الموارد
الموجودة.
فالموظف المتميز يطمح بطبيعته إلى تحقيق ذاته
والوصول إلى قمة "هرم ماسلو" التي تشرح نظرية الاحتياج البشري، وذلك من
خلال تطوير نفسه وتوظيف معارفه وقدراته وخبراته لإنجاز النشاطات المناطة به وإنفاذ
خطط العمل، وبالتالي تطوير المؤسسة التي ينتمي إليها. وهنا تأتي وظيفة الموارد
البشرية مرة أخرى بتحقيق انتماء العنصر البشري إلى المؤسسة، وتوفير الرضا الوظيفي بتغطية
احتياجات الموظف. فالموظف الكفء تواقٌ لإيجاد بيئة مناسبة وحاضنة، توفر له التقدير
المادي والمعنوي.
وتلعب الأنماط السلوكية والسمات الشخصية
السلبية للمدراء، والنمط الإداري، والإجراءات الوظيفية غير العادلة، وعدم التقدير،
والتمييز بين الأفراد دورا أساسيا في خلق حالة من عدم الرضى الوظيفي، وحدوث صدامات
قد تنشأ عن تباين الخلفيات المعرفية والوظيفية بين الرئيس والمرؤوس، مما يسهم في
خلق بيئة عمل لا تلتزم بالأخلاقيات، وطاردة للكفاءات. وقد أثبتت إحدى كبرى
الدراسات والتي قامت بها مؤسسة جالوب، شملت أكثر من مليون موظف وثمانون ألفا من
المدراء، بأن السبب الرئيسي لترك الموظفين المتميزين لوظائفهم يكمن في المدراء
وليس جهات العمل، وأن الجهات المنافسة تسعد باستقطاب تلك الكفاءات وتمنحها الحوافز
لتحقيق ميزة تنافسية في السوق.
إن إيجاد بيئة عمل تتسم بالعدالة وتوفر
معايير التكافؤ والتحفيز، وتعمل وفق تشريعات واضحة، وتحافظ على أخلاقيات العمل،
وتوفر هيكلية واضحة ونمطا إداريا مناسبا لطبيعة نشاط المؤسسة، يساعد على تجاوز
التحديات والصعوبات من خلال الاحتكام إلى التشريعات وسهولة التواصل مع الإدارة
العليا للحفاظ على التوازن بين المهام والمسؤوليات والصلاحيات بما يكفل تحقيق
أهداف المؤسسة وتوفير بيئة محفزة للإبداع والتطوير بالتقدير المادي والمعنوي،
الأمر الذي يرتقي بالمؤسسة ويحقق لها ميزة تنافسية مستدامة في السوق.
محمد حسن،
مدرب ومستشار إعلامي، يقول: تتعدد أسباب استقالة الموظف الكفء من عمله، و أؤمن باستطاعةالموظف
التعامل والصبر على أي شيء باستثناء الرئيس المباشر،والحقيقة أن الموظف يترك
مسؤوله المباشر أو أصحاب القرار في المؤسسة وليست المؤسسة بحد ذاتها. هنا يجب أن
تنتبه إدارة المؤسسة إلى الهيكل الإداري لديها، وأن تعمل على تطويره بالدورات
التدريبية، لأن ترك الموظف الكفء لعمله سيؤثر سلبا على سير العمل في المؤسسة بغياب
جودة الإنتاج، وانتشار السمعة غير الجيدة عن المؤسسة، مماسيؤدي إلى فشل المنظومة
المؤسسية وكيانها عاجلا أو آجلا.
و أضاف: يقول كل من
ماركوس بوكينكهام و كورت كوفمان أن هناك الكثير من الأموال التي تنفق على الموظفين
لجعلهم أكثر خبرة واستقرارا بدفع رواتب مجزية لهم وتوفير الدورات التدريبية التي
تزيد من إنتاجيتهم، لكن المدير المباشر يهدم كل هذا بإدارته السيئة للموظفين القابعين
تحت إمرته. في المقابل، برأيي أن على الموظف الكفء تعلم التعامل مع الأنماط
المختلفة من شخصيات المدراء بدلا من ترك العمل، فمن المحتمل أن يقابل الموظف مديرا
مباشرا غير جيد في كل عمل جديد يحصل عليه.
دكتور عبد الحميد الحوسني، استشاري ومدرب علم إدارة
المعرفة، يقول: لا بد من وجود نظام واضح وعادل ومطبق للترقيات والمكافآت، وسلم
وظيفي للمهنة؛ فوجود نظام يتسم بالشفافية لقياس أداء الموظف في عمله أمر مهم
للغاية. فما يحدث في معظم الأحيان أن الشركات لا تتعمد مضايقة الموظف أو دفعه لترك
عمله، بل إن ما يحصل أن بيئة العمل تتسم بأنها طاردة للكفاءات بسبب غياب الشفافية
في التعامل بين المدراء والموظفين وغياب نظام الترقيات.
د.موفق ربابعة، أستاذ التمويل والتدريب
والاستشارات: إن الأسلوب المتبع مع الموظف (قيادي أم إداري) هو أهم الأسباب لدفع
الموظف للاستقالة، فالفرق بين الفكرين واضح. وقد يكون المدير المباشر ضحية لهذا
الأسلوب. وإن الموظف المتميز أصبح متميزا بحبه للعمل والانتماء إليه والالتزام بكل
متطلباته ومعرفته بكل جوانبه، وتعاونه مع الآخرين وتشجيعهم والابتعاد عن الصراعات،
وترك النقاشات التي تضيع الوقت، وعدم النفاق في التعامل ونقل الكلام عن الزملاء.
ولأن هذه الصفات نادراً ما نجدها،تعمل الإدارات الناجحة على الحفاظ على من يمتلك
هذه الميزات.
في الوقت نفسه، يضطر الموظف المميز إلىترك العمل بسبب
بيئة العمل الطاردة لأسباب إدارية بعيدة تماماً عن الصفات القيادية، التي تعتقد أن
مهام الموظف هي واجب ولا يستحق الثناء عليها مما يتنافى مع مبدأ التحفيز بمختلف
أنواعه.وإن تدخل الإدارة والرقابة الشديدة يتنافى مع مبدأ الثقة ومنح الصلاحيات
وتحمل المسؤولية،فتكون دافعاً للموظف المميز لترك العمل بغض النظر عن المردود المادي.
ويكمن الحل في اتباع اُسلوب القيادة للحفاظ على
المتميز الذي من الممكن أن لا نجد له بديلا، وإن اعتقدت الإدارة بأن الأمور سوف تسير
بدونه فسوف يكون ذلك مؤقتاً، وتبدأ المشاكل بالظهور بعد فترة من الزمن، وهذا من
أكبر الأخطاء التي تقع فيها الإدارات مما يزيد من معدل دوران العمل وارتفاع تكلفة
هذا الدوران.
فيصل الأحمد، مشرف عام الموارد البشرية والشؤون
الإدارية، يقول: إن الفشل في توظيف إبداع الموظف الجيد، وعدم تقدير التزامه بعمله
ووظيفته، وفتح الفرصة أمامه للتطور، والاصطدام بالهيكل التنظيمي، والتورط في بيئة
عمل قائمة على الغيبة والنميمية، كل ذلك يشكل بيئة طاردة للموظف الكفء. وهنا يصبر
الموظف الكفء على هذه البيئة حتى يجد فرصة وظيفية أفضل تراعي احتياجاته المادية
والمعنوية. والحل هو إيجاد وعد مكتوب بتحسين بيئة العمل والمستوى الوظيفي والمادي
للموظف.
وأضاف: لاتلجأ الشركات إلى فصل الموظف إلا إذا تدخل في
أمور لا تعنيه وبدأ بتشويش الأعمال وتضارب المصالح، ولايوجد موظف ناجح يفعل، أو للفكر
المحدود الذي لا يتوائم مع درجة المدير الوظيفية (بالخوف من خسارة منصبه).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.