إعلان رأس الصفحة

السبت، 15 يوليو 2017

الفضول رغبة مريضة.. أم ابتلاء صار بحكم الفريضة



شخصية مثيرة للجدل، وموجودة في كل عائلة، وفي كل مجموعة أصدقاء، يتجاوز الخطوط الحمراء في العلاقات مع الآخرين، ولا يردعه التجاهل أوالتهرب من الإجابة. فما مدى تقبلنا لهذه الشخصية؟ وهل للفضول تأثير على حبنا لهذا الشخص؟ وما هو دورنا في نشأة شخصيته الفضولية وما هو دورنا في السماح له بتجاوز الخطوط الحمراء لخصوصياتنا؟

ريما علي: الإنسان الفضولي مقبول لدى البعضولكنه مرفوض لدى الأغلبيةبسبب رغبته القوية في معرفة تفاصيل حياة الأشخاص من حوله سواء كانوا أصدقاءه أم لا، دون مراعاته لما قد يسببه لهم بالإحراج والمشاكل بسبب الأسئلة أو التعليقاتأو كشف الأسرار و نشرها.
التصدي لأمثال هذه الشخصيات في وضع الحدود الواضحة والصريحة في التعامل معه كأن نقول:"هذا ليس من شأنك.. ومن تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه" .. أومعاملته بالمثل؛ ففي الغالب يميل الشخص الفضولي لأن يحشر أنفه في أمور الآخرين دون أن يستطيع الآخرون معرفة أي شيء عنه.. مثلا لو حاولت مواجهة أسئلته بأسئلة عنه في نفس موضوع الحوار سيتردد و ربما يتحفظ في تطفله معك.على سبيل المثال: كانت صديقتي تتكلم في الهاتف، فسألتها صديقة فضولية لنا: مع من كنتِ تتكلمين؟ فأجابتها: مع رفيقتي.. وأنتِ مع من كنتِ تتكلمين؟ فأجابت الفضولية: لا أستطيع البوح لَكُنّ. فقلنا لها: إذا لا تسألي...
و كلما حدث شيء مع أحدهم نقول لهاً: بالطبع الخبر اليقين لديكِ.. فتنكر ذلك.. فنضحك.
في الوقت ذاته، هناك أشخاص ليس لفضولهم حدود، فإن أنت لم تخبره لجأ لأشخاص حولك ليصل إلى مبتغاه.. من يفعل هذا التصرف معي أنهي علاقتي به فورا ودون أي تردد لأنه تخطى كل الحدود.
ريهام الرزّي تقول: بعض الأشخاص يرضيهم تدخل الناس في خصوصياتهم، فهذا يرضي كبرياءهم وغرورهم،لكن الغالبية يمقتون الشخصية الفضولية، فنحن في مجتمع يحرص على الخصوصية وفق العادات والتقاليد التي تربينا عليها. ومنه علينا التأكيد على أهمية مراعاتنا لخصوصية الآخرين، ومخاطبة عقول الأشخاص الفضوليين بطريقة ذكية تردعهم عن ممارسة فضولهم، فالشخص الفضولي يتّسمُبالافتقار لآداب التعامل مع الآخرين، فكم من شخص يجلس بجانبك ويتجسس على هاتفك النقالأو يستمع لما تحدث به شخصا آخر بكل إنصات و حرية وكأن ذلك من حقوقه.
كل إنسان يستحق أن نمنحه فرصة لإصلاح ذاته، لذا يجب علينا نصح هذا الشخص والحديث معه بكل صراحة وشفافية، فإن استجاب فذلك جيد، و إن لم يستجب وجب إيقافه بالصد والإحراج، أو قطع العلاقة به.
أحيانا نكون السبب في تنمية الشخصية الفضولية لدى البعض وذلك من خلال دفع الأطفال لتسجيل الأحداث من حولهم كلها ثم الإنصات لكل ما يقال في الجلسة التي كانوا بها أو الأشخاص الذين رأوهم وما قالوه أو البيت الذي دخلوه...الخ مما ينمي عنده حس الفضول والتركيز في أمور ليست من شأنه أو فضح سر قيل أمامه فقط لأنهم في نظر الآخرين أطفال لا يدركون ما حولهم بطريقة جيدة.
محمد مسالمة يقول: لا أستطيع تقبل هذا النوع من الأشخاص لأني أقدس مبدأ الخصوصية، ولا أحب تخيل وقوعي أنا أو أي شخص آخر في موضع إحراج أو إفشاء الأسرار.. على سبيل مثال.. لدي صديق فضولي في معرفة التفاصيل و هو دقيق في سردها، أحيانا يسألني أحد أصدقائي عن شيء أمام هذا الشخص الفضولي، أكون قد نسيت الشيء أو الحادثة فيسبقني بالإجابة، أو إن بدأت بالإجابة و سرد الأحداث أصبح مدققا ومصححا لكلامي، حافظا لكل تفاصيل الرواية. وأضاف: بالرغم من كل ذلك.. برأيي أن النصح ورسم حدود واضحة واجب قبل التسرع في قطع العلاقة.
حسين النجار يقول: بطبعنا لا نستطيع تقبل سؤال أحدهم عن أشياء خاصة بنا؛ خصوصا الأمور عن الأهل وشؤون العائلة، أو السؤال عن أمور شخصية جداً أمام الآخرين، قد تقود إلى مشاكل لا تحمد عقباها، لذا علينا وضع الخطوط الحمراء في التعامل معه ومن ثم نصحه، وفي النهاية تركه إن كان مصرّاً على التدخل في أمور لا تخصه. لقد عانيت من مسألة الصديق والقريب الفضولي، ففي إحدى المرات بينما أجلس بين رفاقي جاءني أحد الأقرباء ليطمئن على والدتي وبدأ بأسئلته المحرجة: كيف وقعت؟ أين كانت أختك حين وقعت؟ كيف أصبحت؟ ... لذا انسحبت تدريجيا من هذه العلاقة، فبدأت بتغيير مواعيدي حتى لا ألتقي فيه.
محمد الأرمشي يقول: الصديق الفضولي هو بحر من التفاصيل والأسباب والغموض، قد يراه البعض ممتعاً ومحققاً لرغبات دفينة في داخله، بينما يراه البعض الآخرعدواً في معركة، فيحاول تجاهله و الابتعاد عنه، فهو يتدخل في خصوصيات و أمور داخلية و حساسة ليس له الاطلاع عليها.
علينا إيقاف هذه الشخصية عند حدود معينة بالطرق المناسبةبالحجة والاقناع دون إهانة أو تجريح، فهناك أمورلا نود الإفصاح عنها، وأن عليه الإصلاح من نفسه لكسب محبة الآخرين، وأن الشخصية الفضولية تكون عبئاً على من حولها، و سببا في كراهية الناس لها. فإن لم يستجب ويغير من طبعه فيمكننا تجاهله أو تهديده بقطع العلاقة به. وأضاف: فضول الآخرين يدفعني في بعض الأحيان للإجابة عن تساؤلاتهم عن أمور شخصية جدا بدافع الخجل، مما يجعلني أشعربالندم على الردواتخاذ موقف حاسم ضدالتمادي في الفضول، فإن نقل الأخبار والخصوصيات قد ينجم عنه أضرار ومشاكل جمة سواء على الصعيد الفردي او المجتمعي و إن الامتناع عن البوح بأحد الأسرار أو الأسئلة ربما كان ليتسبب في حل المشكلة أو عدم وقوعها أو حتى تفاقمها. على سبيل المثال: كان لدينا في العائلة موضوع خطوبة غير مؤكد بعد، فشرع الفضولي بطرح الأسئلة رغم محاولاتي المتكررة لتغيير الموضوع، إلى أن استنفذ صبري فقلت له أن هذه أمور شخصية لا أريد التحدث عنها لأحد.
هديل إسماعيل وجيه تقول: عندما تتكرر المواقف المحرجة مع الشخص عينه فذلك غير مقبول، فلكل شخص خصوصيته حتى مع أصدقائه،وإن النصح أو التجاهل هما الحل الأمثل في التعامل مع هذه الشخصية، وإن فتح الأحاديث العامة أمامه فقط حتى لا يتم فتح المجال له للتدخل في الخصوصيات. يجب علينا خوض نقاش معه لتوضيح سبب انزعاجنا منه.
ليلى منير تقول: طبيعة الحال بين الأصدقاء فيه نوع من كسر أو عدم وجود الحواجز وبالتالي نستطيع تقبل أسئلتهم. لكن تتجلى مشكلة الفضول في الأقارب والمعارف حيث نكون مجبرين على التعامل معهم ومواجهة أسئلتهم المحرجة والتمنع عن صدّهم احتراما لكبر سنهم أو مركزهم. ويكون غالبا سبب الأسئلة هو الاطمئنان أن الفضولي في حال أفضل من الآخرين، أو ليكون عقبة في أي شيء تريد فعله عندما يعرف خططك. وأضافت: معظم الأسئلة تتركز في: كم الراتب؟ كم المصاريف؟ كم تستطيعون التوفير مما تكسبون؟ ....الخ. أذكر في إحدى المرات، جاءتني إحدى معارفنا لتهنأني بمولودي، لكنها ما استطاعت أن تلبث نصف ساعة إلا بدأت بالسؤال عن راتب زوجي... الفضول رغبة مريضة.....
أم محمد تقول: إني أعاني من فضول الناس من حولي، لست من النوع الذي يحب البوح بخصوصياته أمام الآخرين، ومع ذلك أجد الكثير ممن يهمهم معرفة أحوالي، وكم تمنيت أن يكون ذلك حبا في الاطمئنان علي، لكني أكتشف أنه فقط حبا في المعرفة ونقل الأخبار والاطمئنان أن حالي لم يتغير أو أصبح أفضل حالا منهم. وأضافت: أتفاجأ من أشخاص يصرون على الاتصال رغم محاولتي التهرب منهم، سواء على الهاتف أو عبر برامج التواصل المختلفة.. يلح علي السؤال.. أليس تجاهلي كاف بأني لا أريد الرد؟ أم علي مواجهة الآخرين بكلام جارح حتى يقلعوا عن استجوابي؟ لقد فاض بي الكيل من بعضهم فحظرتهم حتى من برامج التواصل بعد إعطائهم الفرصة لتغيير سلوكهم، لكنهم يمتلكون جرأة غريبة في التجاوز تصل إلى حد المرض.
محمد أمين يقول: ما كل الفضول سيء المنبع، فالبعض يكون فضوليا بدافع المحبة المفرطة، كفضول الوالدين لمعرفة أحوال أبنائهم، أو محبة أحدهم المفرطة لأحد الأشخاص، لكن لأن الإنسان فُطِرَ على أن تكون له خصوصيتة فإنه ينزعج ويهرب من هذه الأسئلة ويعتبرها تدخلاً صريحاً في شؤونه. بعض الشخصيات الفضولية هي كذلك رغما عنها وليس لأهداف أخرى غير حب الفضول، فقد عرفت مرة زميلة لي في العمل فضولية جدا لدرجة أنها في مرة وجدت حادثا في الشارع وحوله سيارات الشرطة، فما كان منها إلا أن أوقفت سيارتها وذهبت لتستكشف ما حدث، فقلت لها حينها أن موهبتها مهدورة، فهي تستحق أن تكون صحفية وليس مندوبة إعلانات.
د. سامر عبد الهادي، أستاذ مساعد في علم النفس التربوي في جامعة الفلاح، يقول: الشخص الفضولي هو شخص يفتقد بعض المهارات الاجتماعية مثل مهارة تأكيد الذات والتعاطف؛ أي لا يملك المهارات اللازمة للنجاح في العلاقات مع الآخرين مثل الاحترام وتفهم حدود الآخرين، فعلينا رفض الفكرة دون تجريح بطريقة واضحة وصريحة دون الإضرار بمشاعره، فهو فضولي بدافع حب الاستطلاع والرغبة بالاستكشاف، و هو دافع إيجابي ما لم يتحول إلى تدخل صريح في شؤون الآخرين. لذا من المحبب توجيه الشخصية الفضولية نحو استكشاف العلم و المعرفة، ويكون ذلك من خلال الأسرة والمدرسة بالتوعية والقصص والخبرات العملية (مواقف مربية) من خلال تمثيل قصة تتكلم عن هذا الموضوع أو المواقف الاجتماعية.
يكتسب الفرد سلوك الفضول من خلال الأسرة، بملاحظة سلوكيات الوالدين أو أفراد العائلة، أو من خلال المدرسة، حيث تغض العديد منها النظر عن تنمية المهارات الاجتماعية، ولا نغفل عن دور ثقافتنا العربية التي تسمح للآخرين وتعطيهم الحق وتشجعهم على التدخل في شؤون الآخرين. وقد يكون الفضول أحيانا عرضاً لمرض نفسي معين، مثل الوسواس القهري.
دورنا تجاه صديقنا الفضولي هو الترفع عما يقول وتشجيعه على التغير نحو الأفضل بالنصح والتوعية ودعم السلوك النقيض، وانتقاده بطريقة بَنّاءة، فقد يكون إنسانا جيدا في داخله، لذا فهو يستحق فرصة ثانية، وحتى لو لم نستطع تحمله وتم قطع العلاقة به فليس علينا أن نكرهه ونعامله بشكل فظ.
د. سارة رسمي، أستاذ في علم النفس الاجتماعي في جامعة الإمارات، تقول: أحياناً يكون الغرض من طرح الأسئلة الفضولية هو الإحراج وذلك بسبب غضبهم منك ومن خياراتك في الحياة، أو لغيرتهم من نجاحاتك، وفي أحيان أخرى قد يطرح البعض أسئلة غير مناسبة دون إدراك ذلك. و قد يكون بسبب اضطرابات نفسية معينة لدى الشخص كاضطراب القلق الاجتماعي أو اضطرابات طيف التوحد، وقد تكون لغرض المنفعة؛ كالقريبة التي تعلق على خياراتك في الأطعمة خوفا منها على صحتك ووزنك، فقد تبدو تعليقاتها فظة لكن ذلك دون قصد منها.أو تكون بهدف التقرب من الشخص الآخر؛ فالفضوليون يعتقدون أنهم بأسئلتهم التي تخترق خصوصيتك سيتقربون منك أكثر وربما يشاركونك همومك.
بغض النظر عن السبب، هناك بعض الاستراتيجيات التي يتم من خلالها التعامل مع هذه الأسئلة الفضولية وذلك بتحديد سبب طرح السؤال الفضولي ولكن بلطف،ثم القيام بشكر الشخص الذي بدر منه السؤال، وإخبار الشخص بطريقة مباشرة وواضحة أنك لا تحب ما يفعل قبل الانتقال إلى موضوع آخر أو الخروج من المحادثة. ثم يمكنك استخدام إشارات غير لفظية، مثل النظر في هاتفك أو الساعة، أو عبر تكتيف اليدين مما يبين أنك غير مهتم ولا  تريد الإجابة، من دون قول أي شيء. ويمكن التمرن على الإجابة على الأسئلة المحرجة بدون تردد أو تأخير وبكامل الثقة، كسؤال: إنك في عمر الثلاثين، متى تنوي الزواج؟!
النقطة الأهم أن الكثير منا ينزعج من الأشخاص الفضوليين على الرغم من أننا نكرر فعل الأمر ذاته، لذا يجب معاملة الآخرين كما نحب أن يعاملونا.

.شخصية مثيرة للجدل، وموجودة في كل عائلة، وفي كل مجموعة أصدقاء، يتجاوز الخطوط الحمراء في العلاقات مع الآخرين، ولا يردعه التجاهل أوالتهرب من الإجابة. فما مدى تقبلنا لهذه الشخصية؟ وهل للفضول تأثير على حبنا لهذا الشخص؟ وما هو دورنا في نشأة شخصيته الفضولية وما هو دورنا في السماح له بتجاوز الخطوط الحمراء لخصوصياتنا؟ ذلك ما تناولناه في تحقيقنا التالي..
تحقيق: أفنان زعيتر
ريما علي: الإنسان الفضولي مقبول لدى البعضولكنه مرفوض لدى الأغلبيةبسبب رغبته القوية في معرفة تفاصيل حياة الأشخاص من حوله سواء كانوا أصدقاءه أم لا، دون مراعاته لما قد يسببه لهم بالإحراج والمشاكل بسبب الأسئلة أو التعليقاتأو كشف الأسرار و نشرها.
التصدي لأمثال هذه الشخصيات في وضع الحدود الواضحة والصريحة في التعامل معه كأن نقول:"هذا ليس من شأنك.. ومن تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه" .. أومعاملته بالمثل؛ ففي الغالب يميل الشخص الفضولي لأن يحشر أنفه في أمور الآخرين دون أن يستطيع الآخرون معرفة أي شيء عنه.. مثلا لو حاولت مواجهة أسئلته بأسئلة عنه في نفس موضوع الحوار سيتردد و ربما يتحفظ في تطفله معك.على سبيل المثال: كانت صديقتي تتكلم في الهاتف، فسألتها صديقة فضولية لنا: مع من كنتِ تتكلمين؟ فأجابتها: مع رفيقتي.. وأنتِ مع من كنتِ تتكلمين؟ فأجابت الفضولية: لا أستطيع البوح لَكُنّ. فقلنا لها: إذا لا تسألي...
و كلما حدث شيء مع أحدهم نقول لهاً: بالطبع الخبر اليقين لديكِ.. فتنكر ذلك.. فنضحك.
في الوقت ذاته، هناك أشخاص ليس لفضولهم حدود، فإن أنت لم تخبره لجأ لأشخاص حولك ليصل إلى مبتغاه.. من يفعل هذا التصرف معي أنهي علاقتي به فورا ودون أي تردد لأنه تخطى كل الحدود.
ريهام الرزّي تقول: بعض الأشخاص يرضيهم تدخل الناس في خصوصياتهم، فهذا يرضي كبرياءهم وغرورهم،لكن الغالبية يمقتون الشخصية الفضولية، فنحن في مجتمع يحرص على الخصوصية وفق العادات والتقاليد التي تربينا عليها. ومنه علينا التأكيد على أهمية مراعاتنا لخصوصية الآخرين، ومخاطبة عقول الأشخاص الفضوليين بطريقة ذكية تردعهم عن ممارسة فضولهم، فالشخص الفضولي يتّسمُبالافتقار لآداب التعامل مع الآخرين، فكم من شخص يجلس بجانبك ويتجسس على هاتفك النقالأو يستمع لما تحدث به شخصا آخر بكل إنصات و حرية وكأن ذلك من حقوقه.
كل إنسان يستحق أن نمنحه فرصة لإصلاح ذاته، لذا يجب علينا نصح هذا الشخص والحديث معه بكل صراحة وشفافية، فإن استجاب فذلك جيد، و إن لم يستجب وجب إيقافه بالصد والإحراج، أو قطع العلاقة به.
أحيانا نكون السبب في تنمية الشخصية الفضولية لدى البعض وذلك من خلال دفع الأطفال لتسجيل الأحداث من حولهم كلها ثم الإنصات لكل ما يقال في الجلسة التي كانوا بها أو الأشخاص الذين رأوهم وما قالوه أو البيت الذي دخلوه...الخ مما ينمي عنده حس الفضول والتركيز في أمور ليست من شأنه أو فضح سر قيل أمامه فقط لأنهم في نظر الآخرين أطفال لا يدركون ما حولهم بطريقة جيدة.
محمد مسالمة يقول: لا أستطيع تقبل هذا النوع من الأشخاص لأني أقدس مبدأ الخصوصية، ولا أحب تخيل وقوعي أنا أو أي شخص آخر في موضع إحراج أو إفشاء الأسرار.. على سبيل مثال.. لدي صديق فضولي في معرفة التفاصيل و هو دقيق في سردها، أحيانا يسألني أحد أصدقائي عن شيء أمام هذا الشخص الفضولي، أكون قد نسيت الشيء أو الحادثة فيسبقني بالإجابة، أو إن بدأت بالإجابة و سرد الأحداث أصبح مدققا ومصححا لكلامي، حافظا لكل تفاصيل الرواية. وأضاف: بالرغم من كل ذلك.. برأيي أن النصح ورسم حدود واضحة واجب قبل التسرع في قطع العلاقة.
حسين النجار يقول: بطبعنا لا نستطيع تقبل سؤال أحدهم عن أشياء خاصة بنا؛ خصوصا الأمور عن الأهل وشؤون العائلة، أو السؤال عن أمور شخصية جداً أمام الآخرين، قد تقود إلى مشاكل لا تحمد عقباها، لذا علينا وضع الخطوط الحمراء في التعامل معه ومن ثم نصحه، وفي النهاية تركه إن كان مصرّاً على التدخل في أمور لا تخصه. لقد عانيت من مسألة الصديق والقريب الفضولي، ففي إحدى المرات بينما أجلس بين رفاقي جاءني أحد الأقرباء ليطمئن على والدتي وبدأ بأسئلته المحرجة: كيف وقعت؟ أين كانت أختك حين وقعت؟ كيف أصبحت؟ ... لذا انسحبت تدريجيا من هذه العلاقة، فبدأت بتغيير مواعيدي حتى لا ألتقي فيه.
محمد الأرمشي يقول: الصديق الفضولي هو بحر من التفاصيل والأسباب والغموض، قد يراه البعض ممتعاً ومحققاً لرغبات دفينة في داخله، بينما يراه البعض الآخرعدواً في معركة، فيحاول تجاهله و الابتعاد عنه، فهو يتدخل في خصوصيات و أمور داخلية و حساسة ليس له الاطلاع عليها.
علينا إيقاف هذه الشخصية عند حدود معينة بالطرق المناسبةبالحجة والاقناع دون إهانة أو تجريح، فهناك أمورلا نود الإفصاح عنها، وأن عليه الإصلاح من نفسه لكسب محبة الآخرين، وأن الشخصية الفضولية تكون عبئاً على من حولها، و سببا في كراهية الناس لها. فإن لم يستجب ويغير من طبعه فيمكننا تجاهله أو تهديده بقطع العلاقة به. وأضاف: فضول الآخرين يدفعني في بعض الأحيان للإجابة عن تساؤلاتهم عن أمور شخصية جدا بدافع الخجل، مما يجعلني أشعربالندم على الردواتخاذ موقف حاسم ضدالتمادي في الفضول، فإن نقل الأخبار والخصوصيات قد ينجم عنه أضرار ومشاكل جمة سواء على الصعيد الفردي او المجتمعي و إن الامتناع عن البوح بأحد الأسرار أو الأسئلة ربما كان ليتسبب في حل المشكلة أو عدم وقوعها أو حتى تفاقمها. على سبيل المثال: كان لدينا في العائلة موضوع خطوبة غير مؤكد بعد، فشرع الفضولي بطرح الأسئلة رغم محاولاتي المتكررة لتغيير الموضوع، إلى أن استنفذ صبري فقلت له أن هذه أمور شخصية لا أريد التحدث عنها لأحد.
هديل إسماعيل وجيه تقول: عندما تتكرر المواقف المحرجة مع الشخص عينه فذلك غير مقبول، فلكل شخص خصوصيته حتى مع أصدقائه،وإن النصح أو التجاهل هما الحل الأمثل في التعامل مع هذه الشخصية، وإن فتح الأحاديث العامة أمامه فقط حتى لا يتم فتح المجال له للتدخل في الخصوصيات. يجب علينا خوض نقاش معه لتوضيح سبب انزعاجنا منه.
ليلى منير تقول: طبيعة الحال بين الأصدقاء فيه نوع من كسر أو عدم وجود الحواجز وبالتالي نستطيع تقبل أسئلتهم. لكن تتجلى مشكلة الفضول في الأقارب والمعارف حيث نكون مجبرين على التعامل معهم ومواجهة أسئلتهم المحرجة والتمنع عن صدّهم احتراما لكبر سنهم أو مركزهم. ويكون غالبا سبب الأسئلة هو الاطمئنان أن الفضولي في حال أفضل من الآخرين، أو ليكون عقبة في أي شيء تريد فعله عندما يعرف خططك. وأضافت: معظم الأسئلة تتركز في: كم الراتب؟ كم المصاريف؟ كم تستطيعون التوفير مما تكسبون؟ ....الخ. أذكر في إحدى المرات، جاءتني إحدى معارفنا لتهنأني بمولودي، لكنها ما استطاعت أن تلبث نصف ساعة إلا بدأت بالسؤال عن راتب زوجي... الفضول رغبة مريضة.....
أم محمد تقول: إني أعاني من فضول الناس من حولي، لست من النوع الذي يحب البوح بخصوصياته أمام الآخرين، ومع ذلك أجد الكثير ممن يهمهم معرفة أحوالي، وكم تمنيت أن يكون ذلك حبا في الاطمئنان علي، لكني أكتشف أنه فقط حبا في المعرفة ونقل الأخبار والاطمئنان أن حالي لم يتغير أو أصبح أفضل حالا منهم. وأضافت: أتفاجأ من أشخاص يصرون على الاتصال رغم محاولتي التهرب منهم، سواء على الهاتف أو عبر برامج التواصل المختلفة.. يلح علي السؤال.. أليس تجاهلي كاف بأني لا أريد الرد؟ أم علي مواجهة الآخرين بكلام جارح حتى يقلعوا عن استجوابي؟ لقد فاض بي الكيل من بعضهم فحظرتهم حتى من برامج التواصل بعد إعطائهم الفرصة لتغيير سلوكهم، لكنهم يمتلكون جرأة غريبة في التجاوز تصل إلى حد المرض.
محمد أمين يقول: ما كل الفضول سيء المنبع، فالبعض يكون فضوليا بدافع المحبة المفرطة، كفضول الوالدين لمعرفة أحوال أبنائهم، أو محبة أحدهم المفرطة لأحد الأشخاص، لكن لأن الإنسان فُطِرَ على أن تكون له خصوصيتة فإنه ينزعج ويهرب من هذه الأسئلة ويعتبرها تدخلاً صريحاً في شؤونه. بعض الشخصيات الفضولية هي كذلك رغما عنها وليس لأهداف أخرى غير حب الفضول، فقد عرفت مرة زميلة لي في العمل فضولية جدا لدرجة أنها في مرة وجدت حادثا في الشارع وحوله سيارات الشرطة، فما كان منها إلا أن أوقفت سيارتها وذهبت لتستكشف ما حدث، فقلت لها حينها أن موهبتها مهدورة، فهي تستحق أن تكون صحفية وليس مندوبة إعلانات.
د. سامر عبد الهادي، أستاذ مساعد في علم النفس التربوي في جامعة الفلاح، يقول: الشخص الفضولي هو شخص يفتقد بعض المهارات الاجتماعية مثل مهارة تأكيد الذات والتعاطف؛ أي لا يملك المهارات اللازمة للنجاح في العلاقات مع الآخرين مثل الاحترام وتفهم حدود الآخرين، فعلينا رفض الفكرة دون تجريح بطريقة واضحة وصريحة دون الإضرار بمشاعره، فهو فضولي بدافع حب الاستطلاع والرغبة بالاستكشاف، و هو دافع إيجابي ما لم يتحول إلى تدخل صريح في شؤون الآخرين. لذا من المحبب توجيه الشخصية الفضولية نحو استكشاف العلم و المعرفة، ويكون ذلك من خلال الأسرة والمدرسة بالتوعية والقصص والخبرات العملية (مواقف مربية) من خلال تمثيل قصة تتكلم عن هذا الموضوع أو المواقف الاجتماعية.
يكتسب الفرد سلوك الفضول من خلال الأسرة، بملاحظة سلوكيات الوالدين أو أفراد العائلة، أو من خلال المدرسة، حيث تغض العديد منها النظر عن تنمية المهارات الاجتماعية، ولا نغفل عن دور ثقافتنا العربية التي تسمح للآخرين وتعطيهم الحق وتشجعهم على التدخل في شؤون الآخرين. وقد يكون الفضول أحيانا عرضاً لمرض نفسي معين، مثل الوسواس القهري.
دورنا تجاه صديقنا الفضولي هو الترفع عما يقول وتشجيعه على التغير نحو الأفضل بالنصح والتوعية ودعم السلوك النقيض، وانتقاده بطريقة بَنّاءة، فقد يكون إنسانا جيدا في داخله، لذا فهو يستحق فرصة ثانية، وحتى لو لم نستطع تحمله وتم قطع العلاقة به فليس علينا أن نكرهه ونعامله بشكل فظ.
د. سارة رسمي، أستاذ في علم النفس الاجتماعي في جامعة الإمارات، تقول: أحياناً يكون الغرض من طرح الأسئلة الفضولية هو الإحراج وذلك بسبب غضبهم منك ومن خياراتك في الحياة، أو لغيرتهم من نجاحاتك، وفي أحيان أخرى قد يطرح البعض أسئلة غير مناسبة دون إدراك ذلك. و قد يكون بسبب اضطرابات نفسية معينة لدى الشخص كاضطراب القلق الاجتماعي أو اضطرابات طيف التوحد، وقد تكون لغرض المنفعة؛ كالقريبة التي تعلق على خياراتك في الأطعمة خوفا منها على صحتك ووزنك، فقد تبدو تعليقاتها فظة لكن ذلك دون قصد منها.أو تكون بهدف التقرب من الشخص الآخر؛ فالفضوليون يعتقدون أنهم بأسئلتهم التي تخترق خصوصيتك سيتقربون منك أكثر وربما يشاركونك همومك.
بغض النظر عن السبب، هناك بعض الاستراتيجيات التي يتم من خلالها التعامل مع هذه الأسئلة الفضولية وذلك بتحديد سبب طرح السؤال الفضولي ولكن بلطف،ثم القيام بشكر الشخص الذي بدر منه السؤال، وإخبار الشخص بطريقة مباشرة وواضحة أنك لا تحب ما يفعل قبل الانتقال إلى موضوع آخر أو الخروج من المحادثة. ثم يمكنك استخدام إشارات غير لفظية، مثل النظر في هاتفك أو الساعة، أو عبر تكتيف اليدين مما يبين أنك غير مهتم ولا  تريد الإجابة، من دون قول أي شيء. ويمكن التمرن على الإجابة على الأسئلة المحرجة بدون تردد أو تأخير وبكامل الثقة، كسؤال: إنك في عمر الثلاثين، متى تنوي الزواج؟!
النقطة الأهم أن الكثير منا ينزعج من الأشخاص الفضوليين على الرغم من أننا نكرر فعل الأمر ذاته، لذا يجب معاملة الآخرين كما نحب أن يعاملونا.

.






2:24 ص / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة