أبناء_إبليس
#قصة_حقيقية
قصة قصيرة
وقفت تمشط شعرها أمام المرآة سريعا وعقدته كذيل حصان وأسدلت غرتها على جانب وجهها سريعا تريد اللحاق بوالدها... لقد هددها إن لم تسرع فسيتركها ويذهب لعمله ولن يوصلها إلى المدرسة.
اليوم آخر امتحان نهائي فصلي لها في المدرسة وستبدأ عطلة منتصف السنة...
كانت متحمسة وقلقة في ذات الوقت.. ففي الغد ستنهي توضيب أغراضها للرحيل إلى البيت الجديد.
خامرها شعور بالضيق لترك المنزل في تلك الحالة، رغم استمرارها بالدعاء منذ الصغر بأن يرزقها الله بيتا له حديقة، فقد اكتفت من ذلك البيت الصغير الذي لا تستطيع الركض فيه. لكن أقرباءها من جهة والدها عقدوا اتفاقات سرية نجم عنها سلب ذاك الوالد المسكين بيته الذي بناه بيده وماله، وقرروا أن يعطوا تلك البناية كاملة لأولاد العم المتوفي منذ زمن بعيد............
هزت رأسها سريعا وهي تمشي لتسقط كل تلك الأفكار أرضا وتصفي ذهنها لامتحانها.
امتحنت وعادت إلى البيت مع والدها بعد الانتهاء من الامتحان وجلست توضب الأغراض مع والدتها التي لم تتوقف عن البكاء... نظرت إلى والدتها خلسة وإلى تلك الدموع التي بإمكانها منح الطهارة لأي شخص بمائها.. كيف لا وهي دموع ظلم وقهر مما آلت إليه الأحوال.. فخالجها شعور بالضيق وقوة كره كبيرة اتجاه أولئك الأشخاص.
في اليوم التالي أتت الخالات وأولادهن يقدمن مساعداتهن غير المشروطة... قدمت كلا منهن سيارة للنقل وأولادها لحمل الأغراض، وأتى الإخوة بشاحنة أخرى لتحمل قطع الأثاث الكبيرة.
في تلك الأثناء تعالت الزغاريد من زوجات الأعمام على نوافذ العمارة يشمتْن بهم طيلة فترة النقل، ونسوا أن الدنيا تتقلب كفأر في زجاجة.
تحركت العائلة يغمرها القهر مما حدث، وأخذ الإخوة عهدا على أنفسهم بالمقاطعة والاستمرار في الحياة قدما رغم كل ما حدث في ذلك اليوم.....
وصلت هي وعائلتها إلى البيت الجديد، وحاولت المساعدة قدر الاستطاعة، لكن الخالات قمن بالواجب على أكمل وجه.
توقفت وقال لإحدى الخالات: هل تعلمي يا خالتي... لا أشعر بأن هذا بيتي... لقد تركت بيتي خلفي وما زلت عاجزة عن تقبل الأمر. فأجابتها: كفي عن هذا التفكير واعلمي بأن الله رزقك بيتا جميلا....
نظرت حولها... إنه جميل حقا، لكنه ما زال غير صالح للسكن... إنه غير مكتمل بعد. وغادرت بأفكارها إلى أخاها الذي اضطر حمل قرض كبير على ظهره رغم صغر سنه ليساعد والده في محنته... لم يكفيه القرض للانتهاء من جميع ما يحتاجه المنزل.
كانت سور الحديقة غير مكتمل يسمح لأي شخص بالدخول، وكانت الحديقة عبارة عن أرض مليئة بالصخر والرمل دون وجود أي نوع من البلاط، وجدران المنزل الخارجية ما زالت تحتاج إلى العمل. أما في الداخل فما زالت الجدران رطبة، والكهرباء لم تصل البيت بعد، والشبابيك كبيرة تسمح بدخول كمية كبيرة من الهواء الشتوي... لقد كانوا في شهر شباط البارد الملئ بالأمطار.
غلبت الطفولة على تلك الفتاة فبدأت الركض في الأنحاء حتى غابت الشمس فدخلت وعائلتها يحتمون بتلك الجدران الرطبة التي لم تنشف بعد... كمن خرج من البحر بعد غرق يشد عليه إزاره المبتل...
كان الوالد يعمل محاسبا في شركة العائلة، وكان يقوم بمعظم الأعمال هناك، ويعرفه كل من قصد تلك الشركة بالخير لمعاملته الحسنة.
لم يكن ذلك الوالد قد طرأ على خاطره أنه من الممكن أن يتلقى سكينة غدر من أشقائه، بسبب بعض النسوة اللواتي تتلمذ إبليس على أيديهن. فكان أمر البيت أولا ثم حقوقه في تلك الشركة من ميراث أو راتب أو حقوق موظف أو تعويض.
فتداعت حالة الوالد الصحية بسبب منع مال كان من حقه، يذهب به إلى طبيب مختص بالقلب. بدأ يرتاد المستشفى كل فترة لإصابته بجلطات متكررة، وكان إخوته يزورونه ويدفعون له تلك الملاليم للمستشفى الحكومي، فقط حتى يحفظوا ماء وجوههم أمام الناس.
وكانت الواقعة بعد سنوات قلة، ذاقت فيها العائلة أبشع الصعوبات الحياتية.... توفي ذاك الوالد الحنون الوفي لعائلته تاركا طفلته خلفه، ورجالا يحملون المسؤولية خلفه...
كسر موت العزيز ظهر الجميع وغير حياتهم، فالموت إن حل في مكان لم يتركه إلا وقد غير خارطته.
جاء الإخوة وأبناءهم معزّين، لم يحملوا بين أيدهم عطفا أو حنانا أو سؤالا أو حتى كيسا من السكر لأبناء أخيهم الذي جعلوه يموت مريضا فقيرا مدينا رغم امتلاكه المال الوفير....
وأتت من كانت تطلق الزغاريد على النوافذ راكضة باكية تعزي أمام الجميع حتى تظهر جمال إبليس وأتت معها ابنتها التي دخلت غريبة ولم تسلم على أي من الجالسين، فقط أتت لتتأمل وجوه الحاضرين بعينين مفتوحتين جيدا.. أو على الأصح وجوه أبناء عمها المفجوعين بعيون شامتة.
أتى المعزين من كافة الأرجاء، ولم يستطع أحد أن يصدق كيف امتلأ البيت في داخله وخارجه بالناس... لا شك أنه كان ذو أيادٍ بيضاء... رحمه الله.
وبعد انتهاء العزاء بدأ الفراغ يعم المكان... ماتت تلك الحياة التي كانت في المنزل ولم يستطع أن يحييها أحد آخر.
وبعد أشهر قليلة، بدأت الأرواح الظالمة تنصاع لأمر ربها وتلحق بمن ظلمته، وكأنها محكمة يُنادى لها أطراف القضية للبت في الأمر... وبدأت القلوب التي أضناها الألم بالسكون رويدا رويدا ... مثل نار تخبو لتحول حطبها إلى رماد.
لكن أساتذة إبليس لم يهدأوا، فكانوا يُغيرون على منزل تلك العائلة وأفرادها كل مدة ليطمئنوا بأنهم ليسوا بحال جيدة كما تركوهم...
ذهب كل فرد من العائلة في اتجاه، وكان من الصعب عليهم اللقاء... تفرقوا ابتلاء من الله... لعل الله يشاء في ذلك خيرا للجميع ... قالت ذلك في نفسها وهي تنظر إلى ما خلّفه الزمان في ملامحها...
#أفنان_زعيتر #أبناء_إبليس #قصة_حقيقية #نساء_ولكن #نساء_شريرات #مجلة_أفنان #قصة_قصيرة #قصة_قصيرة_لرواية_طويلة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.