استيقظت باكرا والحماس يستولي على حواسها،
و جسدها في حالة تنبه شديد...
"هل راجعت ذلك المقطع؟ أجل "
"ماذا عن المحاضرة؟ اااه هل وضعتها على الذاكرة المتنقلة؟ أجل لكن يجب أن أرسلها إلى نفسي عبر البريد الإلكتروني في حال لم تعمل الذاكرة.... "
وحركت رأسها لتنثر منه تلك الفكرة ... الأمر لا يحتمل أية أخطاء.
ارتدت ما حضرت من لباس في الليلة السابقة بعناية فائقة، كيف لا واليوم مناقشة رسالة الماجستير التي عملت عليها لسنتين وأكثر ليلا ونهارا لتنهيها....
وأعادت العمل بعد كل مرة توقف جهاز الحاسوب عن العمل، وبعد كل مرة لم يعجب مشرفها بشكل الصورة التي تبين النتائج.
وقفت أمام المرآة تتخيل نفسها تشرح ما أعدته من معلومات عن مشروعها...و أحست ببعض الرضا بعد أن تذكرت جهدها الطويل في ذلك المختبر، وأيام الرعب التي عاشتها لوحدها في المختبر دون وجود لأي شخص في المبنى الذي لم يتوانى فيه شيء عن الطقطقة عند هبوط الليل ...
استجمعت حقيبتها وجهاز الكمبيوتر المحمول وتأكدت من وجود الذاكرة المتنقلة وبعض قوتها وخرجت من المنزل تبحث عن سيارة أجرة تقلها...
كان صباحا باردا من أيام كانون الأول، لكنها لم تدر إلى أي درجة وصلت برودته فدمها يغلي في عروقها ويضرب كالمطرقة رأسها.
تنقلت الفتاة بين وسائل المواصلات قاصدة جامعتها... والحمل بات ثقيلا عليها... حقائبها وقلقها معا... فاليوم يتحدد مصير مشروعها؛ إما أن تنتهي من سنوات الدراسة أخيرا أو يطلبون منها تعديلات تستغرق ستة أشهر أخرى... لقد حدث ذلك مع زميلها منذ فترة.... فارتعدت فرائصها من ذلك الخاطر
"يا رب أعنّي على اجتياز ما لدي..." دعت ربها بخفاء.
وصلت الفتاة أخيرا بعد ساعتين، فمنزلها في مدينة أخرى. قطعت البوابة وهي تلقي الصباح على الحارس وتطلب منه الدعاء لها... ثم ذهبت سريعا إلى مكتب مشرفها تبحث عنه لمراجعة التقديم الذي أعدته للمرة الأخيرة... لكنها لم تجده... فذهبت إلى المكتبة سريعا للتخلص من الحمل الذي على كتفيها.
جلست تراجع وتقرأ وتتيقن أنها قد أعدت العدة لهذه الحرب...
"ااااه يا إلهي لم يتبقى إلا القليل من الوقت... يجب أن أذهب إلى القاعة"
"يا إلهي لم أعد أحتمل التوتر في داخلي ... ساعدني... يا ليتني حصلت على كوب من القهوة، إني بحاجته فعلا".
ذهبت مسرعة وأوصلت جهازها المحمول بجهاز العرض وتأكدت من عمله، وفتحت العرض التقديمي وجلست تتفقد استعداداتها فأحست ببعض الطمأنينة تتسلل إلى قلبها الذي يضرب بعنف حين تم كل شيء دون مشاكل تذكر ومع دخول تلك الوجوه التي اعتادت عليها ..
وصل الأساتذة أخيرا .. ها هو المشرف يرمقها بنظرات غريبة لأنه لم يراها في الصباح ليضع لمساته الأخيرة على العرض، وكأنه يخاطبها بقوله ألم تعودي بحاجتي؟ تعتقدين أنك أتممت كل شيء؟ أنا متأكد أن هناك ما ينقصك شأنك شأن الآخرين....
وها هو الأستاذ الآخر الذي أتى من جامعة أخرى ليكون مشرفا خارجيا، وها هما الأستاذين الآخرين؛ كلهم ذوو علاقة بالاختصاص والتوجه الذي اختارته لمشروعها.
"لقد أتى رئيس القسم أيضا! " وها هم مشرفات المختبرات... خاطبت نفسها
"من دعا كل أولئك الأشخاص!" فهي لم تكن قد دعت إلا شخصين، بينما أتى آخرون رغم إرادتها، فلم تكن تقوى على احتمال أعين كثيرة مراقبة ومتسائلة حولها.
"يا إلهي أنقذني.. لم أتت هذه المشرفة أيضا؟ فهي تكرهني ولسنا على وفاق بسبب طريقتها في التعامل. ارحمني يا رب"..
أعطوها إشارة البدء فبدأت بسرد ما حفظته مع تقليب شرائح التقديم التي أعدتها ...
أعطى الحاضرون انتباههم لها وتابعوها في صمت.
وعندما انتهت طلب الأساتذة من الحاضرين الخروج. كانت قد طلبت من عائلتها عدم الحضور منذ البداية لئلا يطول انتظارهم خارج القاعة...لكن في تلك اللحظات تمنت لو أنهم حضروا، فقد كانت تشعر بحاجتها إليهم وإلى دعمهم. التفتت إلى راحتهم ونسيت نفسها.
خرج الحاضرون وبدأ الأساتذة في حربهم ضدها...
منهم من حاربها في ما طرحت، ومنهم من اتخذ الحرب الباردة سبيله فلم يلتفت إليها بل أيضا جلس يرد على هاتفه النقال ويكلم الأساتذة الآخرين.
فكرت... "يجب علي أن أنجح في هذا.. أمي تنتظرني خارجا لتقبلني قبلة النجاح... لن أخذلك يا أمي".
احتملت الفتاة سيل الأسئلة العارم الذي فاض بها وأجابت وأجابت وقلبها وجسدها كله ينتفض، وحاولت قدر الإمكان ألا يظهر ذلك عليها لكن عبثا.. لكن المدة لم تطل حتى اعتادت على الوضع الجديد وبدأت تنظر في أعينهم واحدا تلو الآخر ... نعم لقد استطاعت أن تعرفهم بالعلم الجديد الذي اختصت به والذي كان البعض منهم لم يدخل مجاهيله سابقا.
استمرت الحرب ساعتين ... ثم طلبوا منها الخروج ليتشاوروا فيما بينهم عن مصيرها...
حينما فتحت الباب لتهم بالخروج وجدت أمها خلفه فاحتضنتها، ثم جلست القرفصاء قليلا... فقد أنهكتها تلك الحرب بينما كانت تعاني من المرض والإرهاق.
أتى الصوت: كيف فعلت؟ فأجابت: لم أعد أدري شيئا.
فتح المشرف الباب ونادى عليها لتدخل مرة أخرى...
غمرها الأساتذه في نظرات متفحصة ليروا أثر حربهم عليها، ثم قدموا شكرهم على ما قدمت وعلى جهدها في التقديم وكتابة الرسالة والمناقشة. لكن بالطبع لم يخلوا الأمر من لمساتهم، فطلبوا منها بعضا من التعديلات البسيطة على شكل النص والصور ليكتمل كتابها.
قفز قلبها فرحا وامتنانا إلى الله في توفيقه لها، وجلبت الشوكولا لتكمل واجب الضيافة. من فرحتها دخلت مكتب كل أستاذ في الكلية لتعطيه الشوكولا ويبارك لها. كانت فرحتها عارمة، فلقد انتظرت سنوات لتحصل أخيرا على نجاحها.
"شكرا يا الله..."
بعد أيام قابلت ذلك الأستاذ من الجامعة الأخرى، فأثنى عليها قائلا: لقد حضرت العديد من المناقشات، لم يكن منها قد اعتمد اللغة والمنطق في الإجابات، لقد أبهرتني في ما قدمتي.
أمدتها هذه الكلمات بالطاقة كما تفعل لترات البنزين في محرك السيارة.
كم كان مذهلا ما سمعت.. أحست كأن السماء تسقط عليها لتحضنها وترفعها عاليا.
فكرت : هل سأبدأ جني ثمار ما حصدت أخيرا؟
يا رب...
#مجلة_أفنان #أفنان_زعيتر #قصة_قصيرة #صبر_و_جهد_و_تحدّ
و جسدها في حالة تنبه شديد...
"هل راجعت ذلك المقطع؟ أجل "
"ماذا عن المحاضرة؟ اااه هل وضعتها على الذاكرة المتنقلة؟ أجل لكن يجب أن أرسلها إلى نفسي عبر البريد الإلكتروني في حال لم تعمل الذاكرة.... "
وحركت رأسها لتنثر منه تلك الفكرة ... الأمر لا يحتمل أية أخطاء.
ارتدت ما حضرت من لباس في الليلة السابقة بعناية فائقة، كيف لا واليوم مناقشة رسالة الماجستير التي عملت عليها لسنتين وأكثر ليلا ونهارا لتنهيها....
وأعادت العمل بعد كل مرة توقف جهاز الحاسوب عن العمل، وبعد كل مرة لم يعجب مشرفها بشكل الصورة التي تبين النتائج.
وقفت أمام المرآة تتخيل نفسها تشرح ما أعدته من معلومات عن مشروعها...و أحست ببعض الرضا بعد أن تذكرت جهدها الطويل في ذلك المختبر، وأيام الرعب التي عاشتها لوحدها في المختبر دون وجود لأي شخص في المبنى الذي لم يتوانى فيه شيء عن الطقطقة عند هبوط الليل ...
استجمعت حقيبتها وجهاز الكمبيوتر المحمول وتأكدت من وجود الذاكرة المتنقلة وبعض قوتها وخرجت من المنزل تبحث عن سيارة أجرة تقلها...
كان صباحا باردا من أيام كانون الأول، لكنها لم تدر إلى أي درجة وصلت برودته فدمها يغلي في عروقها ويضرب كالمطرقة رأسها.
تنقلت الفتاة بين وسائل المواصلات قاصدة جامعتها... والحمل بات ثقيلا عليها... حقائبها وقلقها معا... فاليوم يتحدد مصير مشروعها؛ إما أن تنتهي من سنوات الدراسة أخيرا أو يطلبون منها تعديلات تستغرق ستة أشهر أخرى... لقد حدث ذلك مع زميلها منذ فترة.... فارتعدت فرائصها من ذلك الخاطر
"يا رب أعنّي على اجتياز ما لدي..." دعت ربها بخفاء.
وصلت الفتاة أخيرا بعد ساعتين، فمنزلها في مدينة أخرى. قطعت البوابة وهي تلقي الصباح على الحارس وتطلب منه الدعاء لها... ثم ذهبت سريعا إلى مكتب مشرفها تبحث عنه لمراجعة التقديم الذي أعدته للمرة الأخيرة... لكنها لم تجده... فذهبت إلى المكتبة سريعا للتخلص من الحمل الذي على كتفيها.
جلست تراجع وتقرأ وتتيقن أنها قد أعدت العدة لهذه الحرب...
"ااااه يا إلهي لم يتبقى إلا القليل من الوقت... يجب أن أذهب إلى القاعة"
"يا إلهي لم أعد أحتمل التوتر في داخلي ... ساعدني... يا ليتني حصلت على كوب من القهوة، إني بحاجته فعلا".
ذهبت مسرعة وأوصلت جهازها المحمول بجهاز العرض وتأكدت من عمله، وفتحت العرض التقديمي وجلست تتفقد استعداداتها فأحست ببعض الطمأنينة تتسلل إلى قلبها الذي يضرب بعنف حين تم كل شيء دون مشاكل تذكر ومع دخول تلك الوجوه التي اعتادت عليها ..
وصل الأساتذة أخيرا .. ها هو المشرف يرمقها بنظرات غريبة لأنه لم يراها في الصباح ليضع لمساته الأخيرة على العرض، وكأنه يخاطبها بقوله ألم تعودي بحاجتي؟ تعتقدين أنك أتممت كل شيء؟ أنا متأكد أن هناك ما ينقصك شأنك شأن الآخرين....
وها هو الأستاذ الآخر الذي أتى من جامعة أخرى ليكون مشرفا خارجيا، وها هما الأستاذين الآخرين؛ كلهم ذوو علاقة بالاختصاص والتوجه الذي اختارته لمشروعها.
"لقد أتى رئيس القسم أيضا! " وها هم مشرفات المختبرات... خاطبت نفسها
"من دعا كل أولئك الأشخاص!" فهي لم تكن قد دعت إلا شخصين، بينما أتى آخرون رغم إرادتها، فلم تكن تقوى على احتمال أعين كثيرة مراقبة ومتسائلة حولها.
"يا إلهي أنقذني.. لم أتت هذه المشرفة أيضا؟ فهي تكرهني ولسنا على وفاق بسبب طريقتها في التعامل. ارحمني يا رب"..
أعطوها إشارة البدء فبدأت بسرد ما حفظته مع تقليب شرائح التقديم التي أعدتها ...
أعطى الحاضرون انتباههم لها وتابعوها في صمت.
وعندما انتهت طلب الأساتذة من الحاضرين الخروج. كانت قد طلبت من عائلتها عدم الحضور منذ البداية لئلا يطول انتظارهم خارج القاعة...لكن في تلك اللحظات تمنت لو أنهم حضروا، فقد كانت تشعر بحاجتها إليهم وإلى دعمهم. التفتت إلى راحتهم ونسيت نفسها.
خرج الحاضرون وبدأ الأساتذة في حربهم ضدها...
منهم من حاربها في ما طرحت، ومنهم من اتخذ الحرب الباردة سبيله فلم يلتفت إليها بل أيضا جلس يرد على هاتفه النقال ويكلم الأساتذة الآخرين.
فكرت... "يجب علي أن أنجح في هذا.. أمي تنتظرني خارجا لتقبلني قبلة النجاح... لن أخذلك يا أمي".
احتملت الفتاة سيل الأسئلة العارم الذي فاض بها وأجابت وأجابت وقلبها وجسدها كله ينتفض، وحاولت قدر الإمكان ألا يظهر ذلك عليها لكن عبثا.. لكن المدة لم تطل حتى اعتادت على الوضع الجديد وبدأت تنظر في أعينهم واحدا تلو الآخر ... نعم لقد استطاعت أن تعرفهم بالعلم الجديد الذي اختصت به والذي كان البعض منهم لم يدخل مجاهيله سابقا.
استمرت الحرب ساعتين ... ثم طلبوا منها الخروج ليتشاوروا فيما بينهم عن مصيرها...
حينما فتحت الباب لتهم بالخروج وجدت أمها خلفه فاحتضنتها، ثم جلست القرفصاء قليلا... فقد أنهكتها تلك الحرب بينما كانت تعاني من المرض والإرهاق.
أتى الصوت: كيف فعلت؟ فأجابت: لم أعد أدري شيئا.
فتح المشرف الباب ونادى عليها لتدخل مرة أخرى...
غمرها الأساتذه في نظرات متفحصة ليروا أثر حربهم عليها، ثم قدموا شكرهم على ما قدمت وعلى جهدها في التقديم وكتابة الرسالة والمناقشة. لكن بالطبع لم يخلوا الأمر من لمساتهم، فطلبوا منها بعضا من التعديلات البسيطة على شكل النص والصور ليكتمل كتابها.
قفز قلبها فرحا وامتنانا إلى الله في توفيقه لها، وجلبت الشوكولا لتكمل واجب الضيافة. من فرحتها دخلت مكتب كل أستاذ في الكلية لتعطيه الشوكولا ويبارك لها. كانت فرحتها عارمة، فلقد انتظرت سنوات لتحصل أخيرا على نجاحها.
"شكرا يا الله..."
بعد أيام قابلت ذلك الأستاذ من الجامعة الأخرى، فأثنى عليها قائلا: لقد حضرت العديد من المناقشات، لم يكن منها قد اعتمد اللغة والمنطق في الإجابات، لقد أبهرتني في ما قدمتي.
أمدتها هذه الكلمات بالطاقة كما تفعل لترات البنزين في محرك السيارة.
كم كان مذهلا ما سمعت.. أحست كأن السماء تسقط عليها لتحضنها وترفعها عاليا.
فكرت : هل سأبدأ جني ثمار ما حصدت أخيرا؟
يا رب...
#مجلة_أفنان #أفنان_زعيتر #قصة_قصيرة #صبر_و_جهد_و_تحدّ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.