جلست أراقب حركات ابنتي التي لم تتجاوز السنتين بدهشة كبيرة.
وتهت بين أفكاري المبعثرة.. من أين أتت بهذه التصرفات؟ من علّمها ذلك؟
أيعقل أنها تحلم بذلك أثناء نومها فتصحو وملؤها اللهفة لتطبيق ذلك!
ولم أستطع الوصول إلى نتيجة، فأعلم المصدر الذي تستقي منه أفعالها،
فهي لم تختلط بعد بغيرها من الأطفال، فقد عشت وإياها في غربة كانت فيها الوحدة التوأم والصديق الصدوق.
وبقيت على حيرتي حتى أتى يوم كنت أمشي فيه وإياها في إحدى الحدائق... فوجدتها تعقد يداها على صدرها تارة، وتضرب يديها ببعضهما لتنفض عنهما التراب الذي التصق بهما حين وقعت تارة أخرى، ولا تنفك عن طلب المناديل لتنظف يديها أو تمسح أنفها، لأكتشف بأنها تقلدني حرفيا بمنتهى البراعة، وكأنها آلة تصوير رقمية يستحيل عليها تفويت ثانية دون أن تسجلها بصورة عالية الجودة.
السلوك مكتسب بطبعه
بينما كان هناك صديق للعائلة اعتاد رعاية والديه في كل شئ، حتى أنه كان يحمل الحذاء لهما ويساعدهما على انتعاله، وجلب كأس الماء وحبة الدواء في كل مرة دون كلل أو ملل، حتى رُزق بفتى ً دائم السعي لنيل رضاه بذات الأفعال.
إن الأبناء مرآة آبائهم، فهم يقلّدون ما يروه منهم ومن إخوتهم. ولا يجدي نفعٌ مع الأبناء أيٌّ من طرق تلقين الصواب، سواء بالإلحاح أو العقاب أو الأمر والنهي، فهم يطبقون فقط ما رأوه من أفعال.
تلك هي الطريقة التربوية المثلى سواء للأبناء أو الطلاب في المدارس والجامعات، فذلك علم لا يُمحى أبدا، فهو يترسخ في الوجدان، فقد سجله العقل بما رأته العين وسمعته الأذن وانفعل له القلب، تماما حين كان الأجداد يحفرون الصخر لتسجيل أثرهم المعماري أو الحضاري أو المجتمعي.
وإني لأذكر كلمة قالها أحد الأصدقاء يوما، "سألوني كيف علمت ابنتك الاعتذار؟ فقلت لهم: كنت أعتذر لأمها حين أخطئ في حقها".
وذلك ما فعله أيضا أب أجنبي أثناء تواجده في سوبرماركت وقد كانت معه ابنتاه، حين أخطأت إحداهما في حق الأخرى، وبينما هو يقنع ابنته المخطئة بالاعتذار أتت إحداهن لترتطم بها وهي غاضبة وتمر دون الاعتذار، فأصر الأب على اللحاق بها وإقناعها بالاعتذار لابنته التي كان يحاول اقناعها بالاعتذار، حتى تحول الإقناع إلى إجبار بالاستعانة بموظف الحماية حتى رضخت للأمر الواقع واعتذرت لتلك الفتاة التي فهمت معنى الاعتذار حتى على الأفعال غير المقصودة..
لذا فلنكن قدوة أبنائنا فيما نفعل إن كنا نريد نهضة الوطن...
فهناك أمور كثيرة يجب استنكار فعلها ووقف ممارستها، ونقل الفعل الصحيح للأبناء فنطمس ما شوه مجتمعاتنا، لنعود فننهض بالوطن الذي لطالما قبلنا ترابه بعد عودتنا من الغربة..
فهم حجارة أوطاننا التي ستوثق حضاراتنا وتحيي أسماءنا.
فرمي النفايات على قارعة الطرقات أو رمي النفايات من نافذة مركبة مسرعة، وافتعال الحرائق في مكبات النفايات بين المنازل الممتلئة بالمرضى والعجائز والأطفال، وسرقة الأفكار والملكيات الفكرية والاعتداء على المدرسين، والتحرش بالنساء، والسخرية من النساء اللواتي يقدن المركبات، والغش في البضاعة والتضييق على الموظفين وتفضيل الموظف الفاشل المستعد لعمل أي شئ في سبيل إنقاذ عمله، والسياقة دون المستوى الأدنى للأخلاق على الطرقات وخاصة على الطرقات بين المنازل والأماكن المكتظة،
كلها أمور قام بها آباء فقلدهم فيها أبناءهم، ثم كبر الأبناء فاستمروا بتلك الأفعال حتى انتشرت أكثر وتدهور حال المجتمع لينتشر به السرقة والرذيلة وانعدام النخوة وغرقت الشوارع بالنفايات، ويقاتل الموظفون بعضهم دفاعا عن مناصب وأرزاق كان الخالق قد أخبرنا بتكفله بها، لينتهي بهم الأمر بإلقاء اللوم على حكومات أفرادها من المجتمع نفسه.
فلا تتراشقوا بالتهم، بل ليفعل كل منا واجبه ويصلح من نفسه أولا، فكلنا راعٍ وكلٌّ منا مسؤول عن رعيته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.