ماذا لو انتظر؟ أليس كباقي البشر؟
قبل سنوات.. في أيام الصيف الحارقة.. عملت لفترة في تسجيل استبيانات لأحد المشاريع العلمية، وكان الموضوع عن قياس مدى تأثر الأم بإجهاض جنينها وعلاقة ذلك بعمر الجنين.
طوال أيام عملي تلك وأنا أتنقل بين مراكز الأمومة والطفولة، أستوقف الأمهات لأسألهن المشاركة بالاستبيان... كم كان صعبا إقناع الكثيرات... بل عزفت الكثيرات عن الموافقة... لكني حصلت على تعاون بعض الأمهات اللاتي سردن لي التفاصيل التي أنشدها.
خلال تلك الأيام تساءلت عن سبب رفضهن لذلك، واستغربت ردات فعلهن، واستهجنت حزنهن على ما خسرن. كنت أقول لنفسي: لماذا هن حزينات لهذه الدرجة وقد خسرن أجنة لم تصبح أطفالا، أو حتى مرحلة التطور والتجسد عند بعضهن!
كنت أعلم أن هناك روابط بين الأم وجنينها، لكني لم أتخيل يوما أن تلك الخسارة تستحق كل ذلك الحزن الذي حملته بعضهن لسنوات داخل أفئدتهن في صمت.
ومرت الأيام تباعا... وشاء القدير أن أمر في تلك التجربة...
لم أكن أنتظره... ولم أعلم عنه سوى أياما لا تحتسب..
أتى وذهب كظل لم يستطع الصمود أمام النور فسقط...
كزهرة عقدت ثمرة فأتت الريح فعصفت فأسقطتها ..
ظللت شهورا أبكي وأقول ماذا لو انتظر.. أليس كباقي البشر!
وهنا عرفت مقدار العذاب الذي عانته تلك الأمهات... والأسئلة اللاتي مرت في أذهانهن ومدى صعوبة تقبل الرحيل.
مرت سنوات...وما زلت أقول لقد كان هنا ولم يعجبه العيش فذهب... وعندما حملت ابنتي وجدتني أحدثها عن شقيق(ة) لم يستطع الانتظار فرحل...
أتستغرب! إسأل في ذلك من مات له عضو فسبقه إلى الطين الذي منه خلق وانسكب. فذلك عضو خُلِق وتخلق ثم مات ودفن.
فعلمت أن مشاعر البشر معقدة جدا، وأن مشاعر النساء أعقد
======================================
خاطرة_ اليوم مات قلمي
اليوم أعلن سقوط قلمي
اليوم أعلن تشييعه
فقد خطّ الكثير من آلامي
حتى خضّب بدمائي
اليوم لم يعد معي
مات من وجعي
وماتت معه حروفي
بقيت في جوف نفسي وروحي
ولم أعد أستطع قول مافي جعبتي
لم يعد لديّ مترجم..
عدت أتكلم بلغة غريبة
لا يفهمها أحد من حولي
عدت غريبة كما بدأت
وتوقف تدفق الينبوع لتختنق به الأرض
كم تود الأرض لفظ ما بداخلها من أشياء..
جثث وأسرار وأسماء..
وتتحدث عما رأت من أحداث
ومن قتل من .. ومن كان بالسرقة يقتات
مات قلمي قبل أن يقول..
هذا ما جفف الأفنانِ
وجعل اخضرارها سكنا تعبق به السماء
======================================
خاطرة_ أوراق الخريف
وقعت آخر أوراق الخريف
ولم أزل أنتظر مرور ذاك الطيف...
كانت أوراقا شاحبة
كأنها رأت خطايا الفاجرة
وقرأت في الفنجان..
أنه لن يمر في ذاك الطريق ثانية
فسقطت إلى حنان..
الأرض غاشية
وخلعت الدنيا ملابسها الزاهية
واتشحت بملابس الشتا الداكنة
وباتت تهمس بنسمات الفراق..
تلفح تلك القلوب الفانية..
يا ليت ذاك الشتاء..
يغسل بقطراته همومنا ..
ونعود لنلتقي بمن نحبهم .. ولو ثانية
======================================
خاطرة - ذكرى وفاة
تك تك تك
دقات الساعة تنبئ عن حلول الميعاد
كان ذلك منذ اثنان وعشرين سنة
يوم غريب وموعد أغرب
تناهى إلى مسامع العديد ..
نظرة فراق سجلت في التاريخ
لم تستطع هموم الدنيا محو ملامحها
شهقات دون زفير حل بعده ليل مبهم
يا ويلي إذا ما حل الموت بمكان
يصير الإنسان منحنيا كمن حمل على ظهره الجبال
وتتفرق التلال دون أي إنذار مسبق
هل سمعت عن أقوام..
حل بهم الموت دون أن يَسْجُر
فكيف إن كان رب البيت قد خطف
كبرق لمع في السماء فخطف البصر
رحم الله موتانا..
كل قلب ذاق مرارة الهجر وفجع
======================================
صوت دقات الساعة يفجر الذكريات
تك تك تك
مع كل صوت تصدره الساعة ينتفض قلبي
مرة شوقا لذكريات
وأخرى هربا من ذكريات أخرى
ما أصعب ذاك الصوت الذي يصر على إخبارك بمدى عزلتك
هذا ليس أمرا جديدا علي..فلطالما كرهت تلك الدقات
دقة بعد دقة تصر بها الساعة على إخبارك كم أن الليل فيه من الصمت ما يقتل
أحب ذاك الهدوء وأمقته في ذات الوقت
كانت حبات المطر تسليني وهي تطرق على نافذتي وتحكي لي الحكايا عن مغامراتها والبلدان التي قطعتها
وعن الذين ينعمون في الدفء في الشتاء القارص بين أحضان عائلة محبة
وكان الرعد يزأر ويزمجر متفاخرا بقدرته على بث الرعب في القلوب... كم كنت أعشق زمجرته المغرورة
وأنا أمسك قلمي وأكتب وأخط مذكراتي أو كلمات مرت في ذاكرتي
وكان صوت أمي يأتيني صارخا "لم ما زلت مستيقظة! تأخر الوقت فماذا تفعلين!"
ذكرني هذا الصمت كم كانت سعادتي حين سماعي باب الحديد يجر على سكته معلنا عن قدوم إخوتي... كنت أسمع هدير المركبة قبل وصولها
كنت أسمع حفيف حركات شقيقتي وهي تتجهز للخروج صباحا
وصوت أمي وأخي يتحادثان وفنجان القهوة يعلن عن وجوده
أبي وكأسه التي يطرقها صباحا في فطوره
وهمساتنا أنا وشقيقتي ليلا وضحكاتنا لتستيقظ أمي وتقول "لقد أيقظتموني...اذهبوا للنوم كفاكم ازعاجا"
صور تترائى في مخيلتي والأصوات ترافقها
ذاك الصمت قد استطاع استرجاع كل المقاطع الجميلة في فيلم ذو مونتاج رائع يذيب القلب شوقا ليترك في الحلق غصة من الفراق والغربة
كبرنا وتفرقت دروبنا .. وغاب ذاك الدفء عنا...
ذقنا الغربة قبل أن نعيشها
ما أصعب الهدوء على من اعتاد همسات العائلة
لقد اعتدت الكتابة عن الوحدة في السابق
لكن قلمي يئن الآن في كتابة كل حرف كما لم يفعل يوما
ليت الزمان يعود لأكثر من عشرين عاما
لأيام ملأها الحب والسكينة
أيام كنا نرى فيها الدنيا بمنظار الطفولة والبراءة
======================================
خاطرة - مساجين ولكن
كم من الأحلام قد تحطمت على صخور وضعها الآخرون عمدا..
لا تقل لي قوة الإنسان تحقق أحلامه
فلو كان ذلك حقا لاستطاع المساجين فك جنازيرهم والهروب إلى حياة أخرى
======================================
نركض في طرقات الحياة ركض الوحوش
Designed by jcomp / Freepik |
تركض في الدنيا مرارا، تسعى طلبا للعمل، أو للمال أو للنجاح أو فقط لاشباع الأنا لديك
فتفيض أحداث الدنيا سيلا وتصبح ركاما فتغرق قدميك مما يثقل خطوتك، ثم يعلو السيل جارفا معه خطواتك
وتمطر هموم الدنيا ومشاكلها فوق رأسك ويملأ طريقك الغمام
تريد أن تقاوم، وتقول لنفسك سأنجح
لكن الدنيا ترهقك أكثر فأكثر
وفجأة ينقطع انهمار المطر.. ويسيطر على حياتك السكون لدقائق
تنظر حولك ..لأول مرة تدرك ما حولك ..حتى وكأنك تراه للمرة الأولى بالرغم من كونه جزءا من حياتك اليومية:
هذا شريك عمري، وهذه ابنتي.. هؤلاء هم عائلتي الصغيرة
عائلة!! آهٍ ثم آه.. عائلتي!! أأصبح لي عائلة؟؟ متى كان ذلك؟
يا فتاتي الصغيرة.. لقد كبرت على أحضاني ولم تعد تتسع لك.. متى كان ذلك؟ أكنت أعمى ؟؟
ثم تدرك أن هاتفك ما زال مستمرا بالرنين:
هذا أخي، وهذا رقم أختي... آه يا أمي لم تكفي عن السؤال عني يوما ولم تتوقفي عن القلق علي أبدا...
ثم تسند رأسك وتغمض عيناك مستمعا ومستمتعا بصوت الهدوء...أجل فإن للهدوء صوت رائع صافٍ ومريح
يجعل من صوت أنفاس ابنتك تغريدات.. ويجعل صوت النسائم قادرة على استخراج كل ما في جعبتك من كلمات
"إنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور"
صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.