إعلان رأس الصفحة

السبت، 22 ديسمبر 2018

أمي بطلتي




حين بلغت من العمر ستة سنوات، كان علي الدخول إلى المدرسة. فسارعت أمي لتسجيلي في مدرسة خاصة إسلامية تبعد عنا مسافة جيدة.
أوصلتني في اليوم الأول إلى الصف...
كان الصف مختلطا بكل ما في الكلمة من معنى..
كانت الكراسي منظمة في صفين .. الأول للذكور والثاني للإناث (نظام الفصل الإسلامي لمنع الاختلاط)، وكنا من مراحل عمرية مختلفة. تذرعت المدرسة بأنها ما زالت تنظم الصفوف ولم تقرر بعد القسمة الأنسب.
تركتني أمي في ذاك اليوم باكية بعدما وجدت لي رفيقة أكبر مني وتوارت خلف جدران ونوافذ الصف الزجاجية لتراني من بعيد... ثم تختفي ذاهبة إلى المنزل.
وصلت منزلي في ذاك اليوم في رأسي العديد من الأسئلة والخرائط والكلمات الجديدة والأغاني...
في اليوم التالي أوصلتني أمي أيضا، لكنها وضعتني في الطابور المدرسي في هذه المرة، وودعتني واختفت..
وساقتنا المعلمات في طرق غريبة مريبة لنجد أنفسنا في غرفة تحت الأرض دون كراسٍ أو أي شئ وأمرونا بجلوس القرفصاء ... كنا كالمساجين تحت الأرض دون نافذة مضيئة أو إحساس بالدفء..
شعرت برغبة في البكاء .. لكني انتظرت في ريبة مما يحدث حتى بدأ البكاء ينتشر بين الأطفال الجالسين... كأننا قد خطفنا وتمت مواراتنا تحت الأرض.
وبدأت أنتحب .. وإذ بي أجد أمي .. بطلتي... تطل بوجهها المنير غاضبة تتحدى أن يمنعها عني أي من المعلمات (لو صحت تسميتهن)... وأخذت بيدي خارجة بي من ذاك السجن المخيف.. وذهبت خلف أسواره وأصوات الاعتراضات والتساؤلات تتهافت خلفها...
لقد كانت بطلتي تنتظرني خارجا مراقبة إياي .. وفجأة اختفيت من أمامها فهرعت تسأل عني حتى استدلت إلي، ووجدتني في تلك الحالة، فأبت أن تتركني.
في اليوم الثالث أو الرابع... وجدت نفسي في مدرسة مختلفة كليا... أدخلتني أمي إلى تلك المدرسة المسيحية القريبة من مسكننا واطمأنت علي في الصف، ثم توارت عني كالمرة الأولى لأبدأ بالبكاء دون أن أعلم لم أنتحب وأبكي بتلك الشدة.
لم تكن تلك المدرسة المثالية أو المليئة بالملائكة، لكنها كانت واضحة المعالم .. ليس فيها أمورا أو غرفا مخفية.
الآن عرفت لم كان ذاك البكاء.. لقد كنت أفتقد ذاك الأمان الذي يلفني. ومع أني الآن أبذل جهدي مع ابنتي لأكون لها الأمان كما كانت أمي، إلا أنني لم أستطع الوصول إلى تلك الدرجة المقدسة..
وأصبحت أمي ملاذنا أنا وابنتي
إن الأم وطن الأبناء، تعتني بهم منذ خلقهم بذورا، تزرعهم وتنبتهم نباتا حسنا ثم تطلقهم ليعمروا الأرض بنباتات أخرى، وتبقى تظلهم جميعا تحت أوراقها. فلا تقل إن الأرض هي الوطن، فالأرض لا تعطي إلا إذا أخذت الماء والغذاء..
لكن الأم هي الأرض والوطن، فهي العطاء الذي لا ينتهي دون قيد أو شرط.
***ملاحظة:
بالطبع لم تُعِدْ تلك المدرسة الإسلامية رسوم التسجيل ...
1:16 ص / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة