إعلان رأس الصفحة

السبت، 22 ديسمبر 2018

قصة قصيرة - بعيد عن التكنولوجيا عالم آخر



بعيد عن التكنولوجيا _ عالم آخر
كان عامر يقوم بما لديه من أعمال حين أحس بشوق لأمه وأبيه يخالج روحه العارمة بالضيق جراء العمل والغربة.
لقد مضت ثمان سنوات على غربته.. لكنه إلى الآن لم يعتد ذاك الفراق عن عائلته رغم قناع البرود العاطفي الذي كان يلبسه أمام الآخرين.
عاد عامر إلى منزله بعد يوم شاق ملئ بمشاكل العمل ..
"جميعهم أغبياء .. كل تلك القرارات غبية وتحتاج إلى إعادة نظر مطوّلة.. سوف يجعلون الأمور تتفاقم أكثر. يا إلهي هل فعلا أنا وحدي من أرى ذلك؟ كيف يستطيع صاحب العمل قبول أو تجاهل كل ذلك الغباء؟؟"
قال ذلك بحرقة شارحا ما في صدره لزوجته التي كانت تستمع بصمت وحذر وهي تحضر المائدة، فهي تعلم تماما أن التعب قد نال من زوجها حد الإنهاك، وليس هناك أفضل من طعام ساخن، يتبعه كوب من الشاي الساخن أيضا ليبعث الدفء في تلك النفس التعبة ويزيل المرارة و التوتر اللذان انبعثا في كافة خلايا جسده.
أحست الزوجة بنبرة التعب النفسي الذي وصل إليه زوجها، فقررت أن تصله بأهله القاطنين في تلك البلاد البعيدة، والذين كان عليه بذل الكثير من الجهد للتواصل معهم. فقد كانوا بعيدين تمام البعد عن الانترنت والتكنولوجيا، وعليه إيجاد أحد إخوته ليستطيع التواصل معهم.
أنهت الزوجة الغداء وما تبعه من تنظيف بسرعة، وجلست تحاول إيجاد طريقة سريعة للتواصل... وفعلا بدأت بإرسال الرسائل النصية عبر الواتس اب إلى من حفظته من أرقام تخص العائلة. وكان الحظ حليفها إذ وجدت من رد عليها وتعاونا لإرساء اتصال مع والد ووالدة زوجها.
"ألو.. كيف حالكما؟ اشتقنا لكم جدا.. يا ليتنا نستطيع التواصل معكما بسهولة أكبر... لقد اشتاق عامر إليكما لكنه تعب لدرجة عدم القدرة على تحمل المحاولات الفاشلة للتواصل معكما"
فأجاباها: "يا ابنتي .. ليس لدينا باع في التكنولوجيا، فما الذي باستطاعتنا فعله؟ إن لم يتواجد أحد إخوة عامر فلن نستطيع التواصل، فلقد حاولنا مرارا تعلم كيفية التواصل من الحاسوب لوحدنا، لكننا في كل مرة ننسى الأمر..
يا بنيتي.. لقد كبرنا على تعلم ذلك"
أجابتهم الزوجة مداعبة: " لا تقولا أنكما كبرتما على التعلم، بل قولا أنه ليس لديكما الجَلَدْ على تعلم ما هو جديد. والأسهل عليكما هو الاستعانة بالآخرين".
فضحك الوالدان مؤمّنان ومشككان في الوقت نفسه لما قالته. فهما لم يخوضا مغامرة التكنولوجيا قبل الآن. ولولا أن ابنهما عامر في الغربة لما فكرا بالأصل بأي حاجة لهذه التكنولوجيا؛ فلقد نشآ وكبرا دون تلك التكنولوجيا المعقدة، وكانت الحياة جميلة لا ينقصها شئ.
جلس عامر إلى والديه يكلمهما شوقا وحنينا، ويشكوا إليهما ضيق حاله في بيئة العمل والغربة ومتطلباتها ومتطلبات أسرته التي تتزايد يوما بعد يوم بشكل مواز لارتفاع الأسعار الملتهب.
أنهى عامر المكالمة، وجلس إلى زوجته أقل ضيقا إن لم يكن أكثر ارتياحا، وبدآ يتسامران.....
قالت له زوجته: "لماذا لا يقتني والداك هواتف محمولة حديثة موصولة بالانترنت؟ ذلك سيسهل التواصل بينكما كثيرا."
قال لها: "لقد كبر والداي على ذلك، ما عادا يملكان الجلد على تعلم كل تلك الأمور...
لا أدري لم لا يحاولان على الأقل، يا ليتهما يحاولان، لقد ضاق بي الحال وأنا أطلب المساعدة من الآخرين للتواصل معهم، حيث أنهم غير متواجدين دائما معهم... لقد تعبت فعلا"
مرت الأيام راكضة تسابق الإبل في سرعتها..
وفي إحداها هتف هاتف عامر "تن تن" صباحا إيذانا باستلام رسالة واتس اب.
فتحها عامر متثاقلا ليفاجأ بوالده مرسلا صورته وقد كتب تحتها (صباح الخير.. أول صورة)
فرح عامر جدا، لكنه عاد ليتثبت من صحة الرقم، فوالده لم يخبره قبلا أنه عازم على شراء هاتف حديث.
رسمت تلك الرسالة ابتسامة عريضة جدا في عيون وقلب عامر الذي لم يصدق أنه قد سنحت له الفرصة أخيرا للتواصل مع والداه في أي وقت. فيرى أحدث صورهم ويسمع صوتهم ليخف عبء الشوق عن كاهله الذي انحنى في غربة لا ترحم أحدا.
1:31 ص / by / 0 Comments

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عزيزي الزائر، اترك تعليقا، عبر عن نفسك وشاركنا برأيك.

إعلان أسفل الصفحة